ولم يرد أُسيدُ بإطلاقه "فإنك منافق" لم يرد به نفاق الكفر، وإنما أراد أنه كان يظهر المودة للأوس، ثم ظهر منه فى هذه القصة، ضد ذلك فأشبه حال المنافق، لأن حقيقته إظهار شئ وإخفاء غيره.
ولعل هذا هو السبب فى ترك إنكار النبى صلى الله عليه وسلم [1] وهو أقوى دليل على الخصم.
... ومع كل هذا فقد تقرر أن العدالة لا تعنى العصمة من الذنوب، أو السهو، أو الخطأ، ومن فضل الله عليهم - رضي الله عنهم - أن وعدهم بالمغفرة، ولا سيما أهل بدر، وهم من أهلها فعن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب حاطب بن أبى بلتعه إلى أهل مكة فأطلع الله تعالى عليه نبيه صلى الله عليه وسلم فبعث علياً والزبير فى أثر الكتاب فأدركا امراة على بعير فاستخرجاه من قرن من قرونها، فأتيا به نبى الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه، فأرسل إلى حاطب فقال "يا حاطب إنك كتبت هذا الكتاب؟ " قال نعم: يا رسول الله قال: "فما حملك على ذلك"؟ قال: يا رسول الله، إنى والله لنا صح لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنى كنت غريباً فى أهل مكة وكان أهلى بين ظهرانيهم، فخشيت عليهم، فكتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله شيئاً، وعسى أن يكون فيه منفعة لأهلى. قال عمر: فاخترطت سيفى وقلت: يا رسول الله أمكنى منه فإنه قد كفر فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل هذه العصابة من أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإنى قد غفرت لكم" [2] أ. هـ. [1] فتح البارى 8/330 رقم 4750 بتصرف، وانظر: منهاج السنة لابن تيمية 3/192. [2] أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر أهل بدر 4/87 رقم 6966، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.