رابعاً: أما ما اشترطوه فى صحة خبر الواحد بألا يكون فى الحدود:
فقد رد ذلك أئمة الأصول يقول الإمام الآمدى: "اتفقت الشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف [1] ، وأبو بكر الرازى [2] من أصحاب أبى حينفة، وأكثر الناس على قبول خبر الواحد فيما يوجب الحد، وفى كل ما يسقط بالشبهة، خلافاً لأبى عبد الله البصرى، والكرخى.
ودليل ذلك أنه يغلب على الظن، فوجب قبوله لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلىَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض. فأقضى له على نحو مما أسمع منه. فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً؛ فإنما أقطع له به قطعة من النار" [3] .
ولأنه حكم يجوز إثباته بالظن، بدليل ثبوته بالشهادة، وبظاهر الكتاب، فجاز إثباته بخبر الواحد كسائر الأحكام ظنية، والمسألة الظنية، فكان الظن كافياً فيها.
وسقوطه بالشبهة لو كان، لكان مانعاً من الأعمال، والأصل عدم ذلك، وعلى من يدعيه بيانه. [1] أبو يوسف هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أبو يوسف، صاحب أبى حنيفة، تولى القضاء لثلاثة من الخلفاء، المهدى، والهادى، والرشيد، وهو أول من وضع الكتب على مذهب أبى حنيفة مات سنة 182هـ. له ترجمة فى: وفيات الأعيان لابن خلكان 5/421، وتاج التراجم فى طبقات الحنفية لابن قطلوبغا ص 81. [2] أبو بكر الرازى هو: أحمد بن على الرازى، أبو بكر الجصاص، الفقيه الحنفى، من أهل الرأى، سكن بغداد، وانتهت إليه رئاسة الحنفية. توفى سنة 370هـ. له ترجمة فى الفتح المبين فى طبقات الأصوليين للمراغى1/214، والجواهر المضية فى طبقات الحنفية لعبد القادر محمد القرشى1/84. [3] أخرجه البخارى بشرح (فتح البارى) كتاب المظالم، باب إثم من خاصم فى باطل وهو يعلمه 5/128 رقم 2458، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة 6/245 رقم 1713. واللفظ له من حديث أم سلمة - رضى الله عنها -.