لا يخفى أن القرآن الحكيم إنما نزل لهداية البشر إلى مصالحهم الدينية والدنيوية، ولهذا بين لهم طريق العمل وسبل النجاح، وأعلن أن الأمة التى تعمل بهذا القانون تكون لها الخلافة فى الأرض وتنال من السعادة والسيادة ما لا يزيد عليه، وتكون خير أمة أخرجت للناس. وكل من لم يعمل بهذا القانون يكون ذليلاً مهاناً فى الأرض، وشقياً فى الدنيا والآخرة.
فإذا سألنا أحدٌ: هل وجدت أمة فى زمن من الأزمان عملت بهذا القانون؟ وهل نالت به ما وعدت؟ ومتى كانت هذه الأمة، وكيف كانت طريقة عملها بهذا القانون، وأين التاريخ الصحيح لأعمالها؟ نقول له: نعم وجدت أمة عظيمة عملت بهذا الكتاب الحكيم، واتخذته قانوناً أساسياً لها مدة كبيرة، فصدقها الله وعده، وأنعم عليها بالخلافة والسيادة فى الأرض، وامتد سلطانها إلى مشارق الأرض ومغاربها، وكانت أمة لا نظير لها فى تاريخ العالم. وتاريخ أعمالهم المجيدة، وطريقة تنفيذهم لأحكام القرآن وكيفية عملهم بها، كل ذلك ثابت محفوظ بصورة عديمة المثال، فإنه لا يوجد تاريخ لأمة من الأمم يبين عملها وتمسكها فى كل شئونها بقانونها مثل تاريخ هذه الأمة.
هذه الأمة هى: الرسول صلى الله عليه وسلم. وأصحابه، والتابعون لهم بإحسان، وهذا التاريخ هو الحديث. فبالحديث يعلم كيف عمل الرسول وأصحابه بالقرآن وبه يعرف أن القرآن، قانون قد عمل به ونجحت أصوله الإدارية، والسياسية، والمدنية، والأخلاقية ... إلخ. وليس هو مجموعة نظريات محتاجة للإثبات بالتجربة والتطبيق. وأما إذا عملنا برأى المنكرين للحديث فيضيع تاريخ الإسلام الذهبى، ولا يقدر أحد أن يثبت أن القرآن قد عملت به أمة من الأمم ونجحت فى تأسيس حكومة مدنية مطبقة لتعليماته. فهل يرضى المسلمون بهذا؟ لا والله، لا المسلمون يرضون بهذا، ولا العلم، ولا التاريخ يرضيان به {فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [1] . [1] الآية 78 من سورة النساء. وانظر: تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للعلامة السيد سليمان الندوى ص 12، 13، وقارن بالإسلام على مفترق الطرق للعلامة محمد أسد ص 93.