وأخيراً: (لا نملك إلا أن نرد قضية الاحتجاج إلى معيار لا يخطئ أبداً، وهو معيار الفصاحة والصفاء والسلامة من الفساد، فلا يحتج فى الحديث، ولا فى غيره، بمن لابس الضعف لغته، وخالطت العجمة كلامه، وتسربت الركة إلى لفظه مهما يَسمُو مقامه. وكان هذا المعيار الدقيق كفيلاً - لو عرفه اللغويون المتقدمون فى وقت مبكر - بإرساء قواعد اللغة وأصول النحو على دعائم ثابتة قوية، وبقطف ثمار تلك الأصول فى نتاج نحوى غنى بالشواهد كنتاج ابن مالك، وابن هشام، من رجال النحو المتأخرين وأئمته الأعلام" [1] . ومذهبهم هو الأصل السديد الصحيح، وهو الذى أخذ به جمهور علماء اللغة الذين امتلأت معجماتهم التى تركوها بالحديث، وكذلك كتب أئمة النحو المتقدمين؛ كابن فارس، وابن جنى، وابن برى، والسهيلى، حتى قال ابن الطيب: "لا نعلم أحد من علماء اللغة خالف هذه المسألة إلا ما أبداه الشيخ أبو حيان (745هـ) فى شرح التسهيل، وأبو الحسن بن الضائع (680) فى شرح الجمل، وتابعهما فى ذلك الإمام السيوطى [2] أ. هـ.
... والحق ما قاله الإمام مالك لا ما قاله أبو حيان، وكلام ابن الضائع كلام ضائع [3] . وما احتجوا به على منعهم للاحتجاج ظهر لك ضعفه، لأن ما تعللوا به ورد بصورة أدق وأضبط من الذى احتجوا به هم أنفسهم من شعر ونثر [4] . أ. هـ. والله أعلم. [1] علوم الحديث للدكتور صبحى الصالح ص 333. [2] أصول التفكير النحوى 136 - 141، وانظر: الحديث النبوى للدكتورالصباغ ص 130، 131. [3] تحرير الرواية فى تقرير الكفاية ص 101، وانظر: الحديث النبوى للدكتور محمود فجال ص 108، 109. وللاستزادة فى هذا الموضوع، انظر: موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث للدكتورة خديجة الحديثى. [4] راجع أصول النحو للأستاذ سعيد الأفغانى ص 41.