قال ابن عبد البر: يحتمل أن يكون حضر عنده من قرب عهده بالإسلام فخشى أن يختلق الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرغبة، والرهبة، طلباً للمخرج مما يدخل فيه، فأراد أن يعلمهم أن من فعل شيئاً من ذلك ينكر عليه حتى يأتى بالمخرج [1] ، وزاد غيره فأراد عمر سد هذا الباب وردع غير أبى موسى لا شكاً فى روايته، فإن من دونه إذا بلغته قصته، وكان فى قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبى موسى، فالمراد غيره [2] . وفى ذلك يقول الخطيب البغدادى: "وفى تشديد عمر على الصحابة فى رواياتهم حفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترهيب لمن لم يكن من الصحابة أن يدخل فى السنن ما ليس منها، لأنه إذا رأى الصحابى المقبول القول، المشهود بصحبة النبى صلى الله عليه وسلم، قد شدد عليه فى روايته، كان هو أجدر أن يكون للرواية أهيب، ولما يلقى الشيطان فى النفس من تحسين الكذب أرهب" [3] .
... وفى القصة دليل على ما كان الصحابة عليه من القوة فى دين الله وقول الحق والرجوع إليه وقبوله، فإن أبياً رضي الله عنه أنكر على عمر تهديد أبى موسى، وخاطبه مع أنه الخليفة (بيا ابن الخطاب) أو يا عمر؛ لأن المقام مقام إنكار" [4] .
وفى ذلك رد على الرافضة الطاعنين فى الصحابة ووصفهم بالجبن والتقية خوفاً من درة عمر أو مهابة له، وأنهم وافقوه فى النهى عن كتابة السنة والإكثار منها تقية منهم وجبناً" [5] . [1] شرح الزرقانى على الموطأ 4/426، وفتح البارى 11/32 رقم 6245. [2] شرح الزرقانى على الموطأ 4/426. [3] شرف أصحاب الحديث للخطيب ص 163. [4] شرح الزرقانى على الموطأ 4/426، 427. [5] منع تدوين الحديث على الشهرستانى ص 28، 228، وقد تناقض فى إفكه هذا، ووصفهم بالشجاعة فى موضع آخر ص 254، 342.