إن الصحابة جميعاً وعلى رأسهم عمر، كانوا أبعد الناس فى أن يشك بعضهم فى صدق بعض، والأدلة على هذا متوافرة جداً، فقد كان الصحابى إذا سمع من صحابى آخر حديثاً صدق به، ولم يخالجه الشك فى صدقه، وأسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما لو كان سمعه بنفسه، وعلى هذا اعتماد أئمة الحديث فى مرسل الصحابى [1] .
... يدل على ذلك ما روى عن عمر رضي الله عنه قال: "كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد، وهى من عوالى المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً، وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحى وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك…" [2] ، ولو لم يكن سوى هذا الحديث لكفى فى رد هذه الشبهة، ولكن كما قلنا الأدلة على هذا متوافرة جداً.
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب [3] ، وأخرج الطبرانى عن حميد قال كنا مع أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه، ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضاً" [4] . [1] انظر: تدريب الراوى1/207،وفتح المغيث للسخاوى1/170،171،وتوضيح الأفكار 1/317 [2] أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب العلم، باب التناوب فى العلم 1/223 رقم 89. [3] أخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب العلم، باب فضل توقير العالم 1/216 رقم 438 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. [4] أخرجه الطبرانى فى الكبير1/246 رقم 699، وعزاه إليه الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد1/153، وقال: رجاله رجال الصحيح.