لأن معه في حالة الرفع زيادة، هذا هو المرجح عند أهل الحديث [1] . ونحوه قول الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا؛ لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث، ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. مرة، ويذكره مرة على سبيل الفتوى بدون رفع، فيحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعًا [2] ، وهذا ما نقله الماوردي عن الشافعي _ رحمه الله_ أنه يحمل الموقوف على مذهب الراوي، والمسند على أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم. يعنى فلا تعارض حينئذ [3] .
ثانيًا: على فرض صحة وقف هذا الحديث على أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه: لكان له حكم المرفوع المسند؛ لأن النهى عن كتابة السنة النبوية _ وهي المصدر الملازم للقرآن الكريم في التشريع الإسلامي، هذا النهى مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا يقال من قبل الرأى، فله حكم المرفوع المسند، جزم به الرازي في المحصول وغير واحد من أئمة الحديث تحسينًا للظن بالصحابي [4] ، بل وبالصحابة جميعًا الذين امتثلوا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. بالنهى عن الكتابة مع وجود علة النهى، والأذن بالكتابة مع عدمها، حفاظًا على القرآن الكريم والسنة النبوية معًا، فما استمدت السنة حجيتها إلا من كتاب الله عزَّ وجلَّ، ومن كتاب الله والسنة النبوية معًا استمدت بقية المصادر التشريعية حجيتها.
فلأن الحديث مما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأى فيه، فحكمه الرفع، ولا سيما وقد رفعه الراوى أيضًا [5] .
وفي صحة هذا الحديث رد على بعض غلاة الشيعة في زعمهم عدم صحة النهى عن كتابة السنة من النبي صلى الله عليه وسلم. وأن روايات النهى عن كتابة السنة اختلفت في وقت متأخر لترير منع الشيخين أبى بكر وعمر من حذا حذوهما. وفي ذلك أيضًا إبطال للأساس الذي أسسوا عليه كتبهم في مسألة كتابة السنة وتدوينها كما فعل مرتضى العسكرى، وعلى الشهرستاني، ومروان خليفات وغيرهم ممن سبقوا. [1] انظر: المغيث للسخاوي 1/ 194، 195، وشرح الفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 178، وتدريب الراوي للسيوطي 1/ 221 _ 223، وتوضيح الأفكار للصنعاني 1/ 343. [2] الكفاية للخطيب ص 587، 588. [3] انظر: البحر المحيط للزركشي 4/ 341، والمحصول للرازي 2/ 229، 230، وفتح المغيث للسخاوى 1/ 195. [4] المحصول للرازي 2/ 221، وانظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 144، وتدريب الراوى 1/ 190، 191، وتوضيح الأفكار 1/ 280. [5] انظر: فتح المغيث للسخاوي 1/ 195.