فقد أتى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصله مجملاً كما ثبت في صحيح السنة من حديث ابن مسعور صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه" [1] .
فلذلك قال: " فصدقوا به قلته أو لم أقله"، أي إن لم أقله بذلك اللفظ الذي يحدث به عنى فقد قلته بالأصل والأصل مؤد عن الفرع، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم. بالأصل، ثم تكلم أصحابه والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين من بعده بالفروع، فإذا كان الكلام معروفًا عن المحققين غير منكر؛ فهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم. قاله أو لم يقله، يجب علينا تصديقه _ وخاصة إذا لم يكن مما يقال من قبل الرأي ولم يرفعوه؛ لأن الأصل قد قاله الرسول صلى الله عليه وسلم. وأعطاه لنا، وإنما قال ذلك لأصحابه الذين عرفهم بالحق، فإنما يعرف الحق المحق بهم، وهم أولوا الألباب والبصائر [2] رضوان الله عليهم أجمعين.
أما الشواهد لهذا الحديث وهو متن: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم ... إلخ".
فعلى فرض صحته فلا دلالة فيه على وجوب عرض السنة على العقل، فكل ما يدل عليه التثبيت عند سماع الحديث وخاصة إذا كانت فيه ظلمة وركاكة ومجازفات باردة لا يقول مثلها النبي وهذا ما قرره المحدثون، وجعلوه من دلائل الوضع في الحديث وإن صح سنده [3] .
وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "واعلم أن الحديث المنكر يقشعر له جلد طالب العلم، وينفر منه قلبه في الغالب" وروى عن الربيع بن خثيم (4) [1] أخرجه الحاكم في المستدرك كتاب البيوع 2/ 5 رقم 2136، وسكت عنه هو والذهبي، وأخرجه من حديث جابر، وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبي، ومن وجه آخر عن جابر وصححه الذهبي على شرط مسلم. [2] نوادر الأصول، الأصل الرابع والأربعون فيما يعدونه صدق الحديث 1/ 360، 361. [3] المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن قيم الجوزية ص 50 رقم 53.
(4) الربيع بن خثيم: بضم المعجمة وفتح المثلثة، ابن عائد بن عبد الله الثوري، أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد مخضرم= =رباني حجة، قال له ابن مسعود: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأحبك، مات سنة 63هـ. له ترجمة في: تقريب التهذيب 1/ 294 رقم 1893، والكاشف 1/ 391 رقم 1529، والثقات لابن حبان 4/ 224، والثقات للعجلي ص 154 رقم 419 والثقات لابن شاهين ص 126 رقم 339، ومشاهير علماء الأمصار ص 125 رقم 737.