ويعجبنى فى هذا المقام ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية قال: "ونحن نقول: إن هاهنا أمراً آخر، نسبة طب الأطباء إليه؛ كنسبة طب الطرقية" [1] والعجائز إلى طبهم، وقد اعترف به بعض حذاقهم وأئمتهم، فإن ما عندهم من العلم، منهم من يقول: هو قياس، ومنهم من يقول: هو تجربة، ومنهم من يقول: هو إلهامات ومنامات، وحدس صائب ومنهم من يقول: أخذ كثير منه من الحيوانات البهيمة … إلى أن قال: وأين وقع هذا وأمثاله من الوحى الذى يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره، فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحى، كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء، بل هاهنا من الأدوية التى تشفى من الأمراض ما لم يهتد إليه عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم، وأقيستهم من الأدوية القلبية، والروحانية، من قوة القلب والاعتماد على الله والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانكسار بين يديه والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير فى الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء، ولا تجربته، ولا قياسه. وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أموراً كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية، بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة أدوية الطرقية عند الأطباء [2] . [1] يريد بعض المتصوفة الذين لا علم لهم بالطب. [2] زاد المعاد 4/11،12 بتصرف، وانظر: دفاع عن السنة للدكتور أبو شهبة341-345 بتصرف.