أما من ذهب إلى عدم الاحتجاج به فى الأعمال إلا بشروط؛ فاشترط:
1- ألا يخالف ظاهر القرآن الكريم، وهو أحد أصولهم كما سبق، فإذا ورد الحديث مخالفاً لظاهر القرآن الكريم؛ كان دليلاً على عدم صحته حتى مع إمكان الجمع بين هذا التعارض الظاهرى، وهذا الشرط أصل من أصول أهل الزيغ والابتداع من الخوارج والجهمية والجبرية والمعتزلة كما حكاه عنهم الأئمة: ابن قيم الجوزية [1] ، والشاطبى [2] ، وابن قتيبة [3] وغيرهم.
2- كما اشترط بعضهم ألا يخالف خبر الآحاد العقل: قال أبو الحسين: لم يقبل ظاهر الخبر فى مخالفة مقتضى العقل، لأنا قد علمنا بالعقل على الإطلاق أن الله عزَّ وجلَّ لا يكلف إلا ما يطاق وأن ذلك قبيح، فلو قبلنا الخبر فى خلافه، لم يخل، إما أن نعتقد صدق النبى صلى الله عليه وسلم. فى ذلك فيجتمع لنا صدق النقيضين، أو لا نصدقه فنعدل عن مدلول المعجز وذلك محال [4] .
3- كما ذهب فريق الاعتزال إلى أن خبر الآحاد لا يقبل فيما طريقه الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد إنما ينبنى على اليقين لا الظن، وخبر الآحاد إنما يفيد الظن [5] ، وأما اليقين فإنما يؤخذ من حجج العقول؛ كما قال الجاحظ [6] : وما الحكم القاطع إلا للذهن، وما الاستبانة الصحيحة إلا للعقل [7] .
وقال: والاستنباط هو الذى يفضى بصاحبه إلى برد اليقين، وعز الثقة، والقضية الصحيحة، والحكم المحمود [8] . [1] أعلام الموقعين 2 /275، 276. [2] انظر: الاعتصام باب فى مأخذ أهل البدع بالاستدلال 1 /199. [3] تأويل مختلف الحديث ص84 وما بعدها، وانظر: الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ص210-212 [4] المعتمد فى أصول الفقه 2 /549، وانظر: شرح الأصول الخمسة ص 565. [5] انظر: المعتمد فى أصول الفقه 2 /102، وشرح الأصول ص 769. [6] الجاحظ: هو عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى، مولاهم، أبو عثمان، المشهور بالجاحظ، البصرى، المعتزلى، كان متبحراً فى الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة، ليس بثقة ولا مأمون، وكان من أئمة البدع، من مؤلفاته الحيوان، والبيان والتبيين، ومجموع رسائل وغيرها. مات سنة 255هـ. له ترجمة فى: تاريخ بغداد 12/212 رقم 6669، ووفيات الأعيان 3 /470 رقم 506، وميزان الاعتدال 3 /247 رقم 6333، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزى2 /223 رقم 2545، والبداية والنهاية 11 /19، ولسان الميزان 5 /286 رقم 6300. [7] رسالة التربيع والتدوير، ضمن رسائل الجاحظ 3 /58. [8] كتاب المعلمين. ضمن رسائل الجاحظ 3 /58.