.. أقول كما قال فضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى: "البخارى ليس له، ولا لغيره، أن يرسم شخصية النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأن شخصية النبى صلى الله عليه وسلم، بكل بساطة ترجع إلى عناصر ومقومات قد وضعها الله فيه، فالأنبياء جميعاً قد اصطنعهم الله عز وجل لنفسه، وهو قد صنعهم على عينه، فهو وحده الذى يستطيع أن يرسم لنا صورة فيما اصطنعه لنفسه، وصنعه على عينه، ثم يحدد لنا بعد رسم شخصيته، مستوى العلاقة التى ستكون بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم.
... هذا كله لله وحده، وليس لأحد أن يتدخل فى شئ منه. والله عز وجل قد حدد لنا شخصية النبى صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم وحياً يوحى، وحددها لنا النبى صلى الله عليه وسلم عن طريق أقواله وأفعاله، وصفاته، وجلها أمور محكومة بالوحى.
ودور الإمام البخارى، وغيره من أصحاب المصنفات الحديثية، هو تسجيل تلك الأمور كلها وما فيها من وقائع تاريخية.
والتأكد منها سهل ميسور، فنحن بإمكاننا أن نحلل الواقعة التاريخية التى يتحدث عنها البخارى أو غيره، وندرسها دراسة وافية على أساس من المنهج المنضبط، ثم نحن نستطيع أن ندرس هؤلاء النقلة الذين نقلوا هذه الواقعة فى جيل أو جيلين إلى أن وصلوا إلى البخارى، أو إلى غيرة من الرواة.
... وهذا ما قام به أئمة أعلام من سلفنا الصالح، وأسفرت نتيجة جهودهم فى النقد والتمحيص، إلى صحة الكتاب، سوى أحرف يسيرة، والقول فيها ما قاله البخارى، وبعض تلك الأحرف لا تصل إلى درجة الوضع، بل ولا حتى إلى درجة الضعف الذى لا يحتمل، وقد سبق تفصيل ذلك [1] .
... ومن هنا ينبغى أن نتفق من البداية؛ أنه ليس لأحد أن يرسم من خياله صورة لنبى مرسل، سواء كان هذا النبى هو النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأنبياء [2] . [1] راجع: ص 691-697. [2] انظر: السنة فى مواجهة أعدائها لفضيلة الأستاذ الدكتور طه حبيشى ص 190 بتصرف.