والحكمة تحقق له سعة الأفق، ونفاذ البصيرة، إلى عقبى الأحداث، فلا يغتر برأي فطير، عليه مسحة من زخرف القول، أو وهج الحماسة، واندفاع الشبيبة، بل يكون له من الحكمة والروية، ما يجعله يقف على حقائق الأشياء.
وإذا ما كان تحقيق الوقوف على ما اتفق عليه أئمة أهل العلم، وما اختلفوا فيه من الكدى التي لا يكاد يجتازها إلا الخاصة فكيف بتحقيق الحكمة مع ذلك؟ إنَّ غير قليل ممن استطاع التفوق في فقه الدين، فقه تصور، ليفتقر إلى كثير من الحكمة في توظيف هذا الفقه، توظيفاً مثمراً متناغياً مع الفطرة الصافية، وحركة الحياة المسلمة.
· أن يكون المنكر موجوداً متيقناً، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره» فقوله (رأى) دال على وجوب العلم بوقوع المنكر، علماً محققاً، أو بإقدام صاحبه عليه لا محالة، كأن يتيقن أنه يدبّر لقتل آخر أو لشرب خمر ... إلخ. وأن الشواهد والقرائن قاطعة بعزمه على إيقاعه، فإن من المنكر ما يكون تغييره بمنعه منه، قبل وقوعه، بأي سبيل من سبل المنع المشروعة، وهو في هذا يكون أقرب إلى النهي عن المنكر، منه إلى تغييره، فإن النهي أعم من التغيير.