ليس في هذا دعوة إلى إكراه الناس على الإسلام، وقسرهم عليه، فإن سيدنا أبا هريرة أفقه وأحكم من أن يفسرها تفسيراً يصطدم مع قول الله تعالى:
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة: 256) .
ولكنه فسرها تفسير أهل الحكمة والبلاغة العالية: إنه يريد، إنكم تكونون خير الناس للناس، إذا ما دعوتموهم إلى الإسلام بالحكمة والقدوة والأسوة والسلوك الملتزم هدي الله تعالى في كل حال، وبالحلم والأناة والصبر والمصابرة فتأسرونهم وتأخذون بمجامع قلوبهم وعقولهم فقهاً وسلوكاً، فينقادون لكم وللدخول في الإسلام إعجاباً واقتناعاً، كانقياد الأسير المغلول في السلاسل، فهو أسر دعوة وقدوة وأسوة، لا أسر أغلال وأصفاد، فسيدنا أبو هريرة عليم بأن قسر امرئ على عقيدة ما، لا يكون خيراً له، ولو أنه أراد ظاهر عبارته لكان صدرها متناقضاً مع عجزها، كما لا يخفى، وأبو هريرة، أحكم من أن يختلط عليه ما يقول.