وكمثال: فإن في المسيحية ما يسمي (حق الحرمان) وهو عقوبة مشهورة ومطبقة، بل كان الباباوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة، ولو كان من الأباطرة.
وفي القوانين الوضعية المعاصرة أي إنسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم سواء كان نظامها شيوعياً أو رأسمالياً أو غير ذلك يتعرض للعقاب، وقد يصل الأمر في ذلك إلي حد تهمة الخيانة العظمي، التي تعاقب عليها معظم الدول بالإعدام!
فهل الدين أهون من مثل ذلك؟ !
إن الإسلام في تقريره عقوبة الإعدام للمرتدين منطقي مع نفسه، ومتلاق مع غيره من الشرائع السماوية السابقة، وغيره من النظم القديمة والمعاصرة.
ب- حد الردة لا يناقض حرية الإعتقاد والفكر الواردة في القرآن الكريم.
إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلي الحد الذي لا يجوز العدوان عليها، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} . (1)
ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيداً لا يقبل التأويل في قوله عز وجل {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} . (2)
وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الإعتقاد للحرية الكاملة في قوله عز وجل {قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم وليَّ دين} [3] .
هكذا بالإعلان الصريح أنتم أحرار في اختياركم وأنا حر في اختياري.
أفبعد هذا حرية؟ !
وقد أكد رسول الله (تلك الحرية عملياً عندما هاجر إلي المدينة المنورة، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحد ة. (4)
(1) الآية 256 البقرة.
(2) الآية 29 الكهف. [3] سورة الكافرون كلها.
(4) قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله (كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم
وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي (بين المؤمنين والمسلمين من
قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس.....)) ينظر: السيرة النبوية لابن
هشام 2/126 نص رقم 538.