وفى الحديث ما يؤيد المعانى السابقة، كقوله صلى الله عليه وسلم "أصيحابى" بالتصغير، كما جاء فى بعض الروايات، قال الخطابى: "فيه إشارة إلى قلة عدد من وقع لهم ذلك، وإنما وقع لبعض جفاة الأعراب، ولم يقع من أحد من الصحابة المشهورين " [1] . وفى قوله صلى الله عليه وسلم: "فيقال": هل شعرت ما عملوا بعدك " "فيه إشارة إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بأعيانها، وإن كان قد عرف إنهم من هذه الأمة " [2] .
أما حمل الحديث على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى الإصطلاحى- فهذا ما لا يقوله مسلم!! وهو ما يدحضه ما سبق ذكره من تعديل الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة على ذلك أ. هـ.
ثانياً: أما ما احتجوا به من حديث " لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " والزعم بأن الصحابة استحل بعضهم دماء بعض فى صفين والجمل.
... فالحق أن هذه الشبهة من أخطر الشبه؛ التى احتج بها الرافضة الزنادقة، وأذيالهم من دعاة العلمانية، الذين اتخذوا من تلك الفتن مادة دسمة، طعنوا بها فى عدالة الصحابة، وفتنوا بذلك عوام المسلمين، وممن لا علم له، بضربهم على (الوتر الحساس) وهو: دعوى ظلم الصحابة رضي الله عنهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الفتن ".
وهذا ما فعله طه حسين فى كتابه " الفتنة الكبرى - عثمان بن عفان رضي الله عنه " [3] . وقال بقوله محمود أبو رية [4] ، وغير واحد من دعاة الرافضة واللادينية [5] . [1] ينظر: فتح البارى 8/135،136 رقم 4625، وينظر: تأويل مختلف الحديث ص 213-215. [2] فتح البارى 11/484 رقم 6593، ومختصر التحفة الإثنى عشرية ص 273. [3] ينظر: الفتنة الكبرى ص 170 - 173. [4] ينظر: أضواء على السنة ص 360 - 362. [5] ينظر: دين السلطان لنيازى عز الدين ص 34، 103، 110، 124، 795، والسلطة فى الإسلام لعبد الجواد ياسين ص 260 وما بعدها.