هذه كانت حجتهم مع أن الحكمة تقتضي بأن يكون الرسول إلى البشر من البشر أنفسهم لا من الملائكة.
ويحكي الله لنا مقالة الملأ من قوم نوح في سورة (المؤمنون/23 مصحف/74 نزول) :
{فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَاذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَاذَا فِي? آبَآئِنَا الأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّى حِينٍ}
فهؤلاء بعد أن قدموا التعجب كحجة لهم انتقلوا إلى الاحتجاج بأنهم ما سمعوا بهذا في آبائهم الأولين، وفي هذا تبرر للتعجب من جهة، واحتجاج بالتقليد الأعمى من جهة أخرى، ثم انتقلوا إلى إطلاق الشتائم، وكل هذا ليس له في مجال الاحتجاج المنطقي نصيب، ولكن دافع الكبر كان حجاباً لهم على الاستجابة له، أومأ إلى ذلك قولهم "يريد أن يتفضل عليكم".
وهكذا نلاحظ أنهم لم يقدموا دليلاً في جدالهم حول قضية الرسول وقضية الآخرة غير مجرد الاستغراب والاستبعاد، وإيراد عبارات التعجب، وأنت خبير بأنه ليس في التعجب شيء يصح أن يحتج به أصلاً، ولكنها تعلات الكافرين.