ولقد أفاض الشيخ عبد اللطيف في الحديث عن حال بلاد المسلمين قبيل ظهور دعوة الشيخ الإمام، وما كانت عليه تلك البلاد من الفتنة بالقبور، والغلو في المشاهد، وما عم فيها وطمّ من مظاهر الوثنية.. فكان مما قاله رحمه الله:
(وفي بندر جدة، ما قد بلغ من الضلال حده، وهو القبر الذي يزعمون أنه قبر حواء، وصنعه لهم بعض الشياطين، وأكثروا في شأنه الإفك المبين، وجعلوا له السدنة والخدام، وبالغوا في مخالفة ما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، من النهي عن تعظيم القبور، والفتنة بمن فيها من الصالحين والكرام، وكذلك مشهد العلوي بالغوا في تعظيمه، وتوقيره، وخوفه، ورجائه.
وكذلك الموصل، وبلاد الأكراد ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد ... فعندهم المشهد الحسيني قد اتخذه الرافضة وثنا بل ربا مدبراً، وخالقا ميسرا، وأعادوا به المجوسية وأحيوا به معاهد اللات والعزى، وما كان عليه أهل الجاهلية الأولى، وكذلك مشهد العباس، ومشهد علي، ومشهد أبى حنيفة، ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر فإنهم قد افتتنوا بهذه المشاهد رافضتهم وسنتهم.
والرافضة يصلون لتلك المشاهد، ويركعون ويسجدون لمن في تلك المعاهد، وقد صرفوا من الأموال والنذور لسكان تلك الأجداث والقبور ما لا يصرف عشر معشاره للملك العلي القدير..) [1].
وهذه البدع والشركيات قد أنكرها أهل العلم، وليس إنكار الشيخ الإمام بدعا في هذا الأمر.. يقول الشيخ عبد اللطيف مبينا ذلك:
(وهذه الحوادث المذكورة والكفريات المشهورة والبدع المزبورة قد أنكرها أهل العلم والإيمان، واشتد نكيرهم، حتى حكموا على فاعلها بخلع ربقة الإسلام والإيمان، ولكن لما كان الغلبة للجهال والطغام انتقض عرى الدين وانثلمت أركانه.
فليس إنكار الحوادث من خصائص هذا الشيخ، بل له سلف صالح من أئمة العلم والهدى، قاموا بالنكير والرد على من ضل وغوى، وصرف خالص العبادة إلى من تحت أطباق الثرى..) [2].
ومن المناسب أن ننقل ما سطره المؤرخ الشهير ابن بشر رحمه الله عن بعض
1 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/387 باختصار.
2 "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/388، 389، باختصار. وانظر: "مجموعة الرسائل والمسائل" 3/397، 450، وانظر: كتاب "مصباح الظلام" ص314.