هذه الأقاويل من أقاويل المؤمنين الصحيحة المقبولة، التي لا اعتراض عليها ولا فند فيها، وهذا يقضي بألا يؤخذ قائل بمقال، ولا متكلم بكلام ... وأما إن قلتم بالرأي الثاني، أي قلتم أنه ليس كل ما صح مجازا صح دينا بل من المجازات ما هو ضلالات، ومنه ما الذهاب إليه إثم كبير، وذنب لا يجوز للمسلم اقتحامه، قيل لكم إذن لعل هذا المجاز الذي زعمتموه وأجريتموه.. هو إثم وباطل) [1].
ويقول أيضا في الرد على الدعوى السابقة:
(هنالك فرق بين دعوة الميتين وبين قول الناس أنبت الربيع البقل والماء العشب، ذلك أن الأول طلب والثاني خبر، وبين الأمرين فرق حقيقي عظيم معروف، وليس كل ما جاز إخبارا، جاز طلبا، والدليل على هذا الفرق الواضح أنه صح أن يقال أنبت الربيع البقل والماء العشب ولم يصح أن يقال: يا ربيع أنبت البقل، ويا ماء أنبت العشب) [2].
وأما دعواهم بأن هؤلاء المستغيثين بالأموات لا يعتقدون التأثير إلا لله وحده، وليس قصدهم من تلك الاستغاثات إلا التبرك، ولو وقع منهم بعض "الألفاظ الموهمة" التي توهم إسنادهم التأثير لغير الله، فإن واقع أولئك المستغيثين بغير الله، يبطل تلك الدعوى ويسقطها، لذا قال الشيخ حسين النعمي[3] معقبا على تلك الدعوى:
(إن من يتكلم بهذا لا يدري ما فشى في العامة.. وما صار هجيراهم عند الأموات، ومصارع الرفات من دعائهم، والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار، وإظهار الفاقة، والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال) [4].
ويرد ابن سحمان تلك الدعوى الخاطئة، فكان مما قاله: (والألفاظ التي يقولها العوام، وينطقون بها دالة دلالة مطابقة على اعتقاد التأثير
1 "الصراع بين الإسلام والوثنية" 2/430 باختصار.
2 "الصراع بين الإسلام والوثنية" 2/466. [3] هو حسين بن مهدي النعمي التهامي، من أهل صبيا بتهامة اليمن، تعلم ودرس في صنعاء، توفي سنة 1187هـ "انظر الأعلام" 2/260، وانظر: مقدمة كتابه "معارج الألباب".
4 "معارج الألباب في مناهج الحق والصواب"، تحقيق محمد حامد الفقي، ص 2، مطابع الرياض، 1393 هـ، ص 169.