اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 262
وإذا كانت "الفكرة" أو العقل سابقا على المادة، فليست "المعرفة الصحيحة" مستوحاة من الوجود الطبيعي أو المادي على عكس "كومت" كما سيأتي ... بل العقل هو مصدرها الصحيح، والوحي -وهو كلمة العقل المطلق "الله"- يمثل كتاب المعرفة اليقينية، دون الطبيعة.
بين فيشته وهيجل:
ومبدأ "النقيض" عندما استخدمه "فيشته" في تصور الإنسان لنفسه، وصل به إلى تأكيد سيادة "العقل" ووقف عند هذا الحد، دون أن يسترسل في الاستنتاج إلى تأييد الدين، من حيث إن الله عقل أيضا ... بل إن فلسفته تشعر بمناوأة الدين، ثم إن الخطوات الثلاث التي يتطلبها تطبيق هذا المبدأ -وهي: الدعوى، والجامع بينهما- لم تتجاوز عنده العمل الفكري في "تصور الإنسان لنفسه".
بينما أكد هيجل في استخدامه لهذا المبدأ سيادة العقل, وسيادة الدين معا. عن طريق أن الله عقل. ثم تجاوز به في التطبيق العملي الفكرة إلى الوجود نفسه: إذ "الفكرة" -التي طبق في دائرتها مبدأ النقيض- موجودة، ووجودها على سبيل الحقيقة، لا من حيث كونها سابقة على عالم الحس فقط، بل حيث إنها "الأصل" في الوجود الذي ينتقل من حال إلى حال آخر ... وهكذا إلى أن يعود الوضع إلى الحال الأول، ولذلك صاحب استخدام مبدأ "النقيض" عند "هيجل" مبدأ "التغير" في الوجود، وإذن يشترك "فيشته" و"هيجل" في استخدام مبدأ النقيض في التدليل على قيمة العقل، وأرجحيته على الطبيعة في هذه القيمة.
ومبدأ "النقيض" عند "هيجل" هو بعد ذلك قانون عام للوجود, تخضع له كائنات الطبيعة كذلك، وهي "الأشياء"، وإن آثر هيجل تطبيقه أول الأمر في دائرة "الفكرة" وخضوعها له سيجعل مصيرها إلى العقل المطلق، وهو الله، فكل كائن من كائنات هذه الطبيعة يحمل في نفسه المقابل والنقيض له، ويصير إليه لحظة ما. أي: إن كل كائن يتضمن بذور عدمه. والشيء: هو ما ليس هو، والعالم كله ناشئ عن التعارض والتناقض، وكل شيء فيه متغير؛ لأن كل شيء ينطوي على سلب نفسه.
وإذا كان كل شيء -له حال الصيرورة- متغيرا، وإذا كان كل شيء كذلك له صلة وعلاقة بالشيء الآخر، فإدراك الحقيقة هو أن يفهم: كيف تتغير الأشياء.
اسم الکتاب : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي المؤلف : البهي، محمد الجزء : 1 صفحة : 262