فالعلماء لا بد أن يكونوا هم المتصدرين للدعوة، وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن في الأمر خللا لا بد من استدراكه، وخطأ لا بد من تصحيحه، بل إن لم يكن الأمر كذلك فإن الدعوة ستنحرف لا قدر الله وتعصف بها الأهواء.
ثانيا: ربما يقال: إن العلماء لم يرفعوا راية للدعوة:
فأقول: هذا الإشكال لا يصح، لأنه نابع عن قصور في النظرة للعلماء، فالمنصف يجد أن العلماء- في الجملة- قاموا بما يسعهم من واجب التبليغ ونشر العلم والنصح للأمة والولاة والعامة، كل منهم حسب ما يستطيع، وحسب ما يرى من أساليب يتأدى بها الواجب، ويجب أن لا نتوقع منهم الإشادة بجهودهم أو الدعاية لأنفسهم. ذلك أن الأصل في أهل العلم: (أنهم يُسْعَى إليهم لأخذ العلم عنهم، ولا يَسْعَوْنَ إلى الناس) . والأصل في أهل العلم: أن يكون لهم سمت أساسه التواضع، وأن يكون لهم حق على الأمة، كما أن الأصل في العلماء: أن لا يرفعوا فوق رؤوسهم رايات، ولا يرفعوا شعارات، ولا يطلبوا الانتماءات إليهم، ونحو ذلك مما هو من لوازم بعض الدعوات المعاصرة.
فالعلماء يُقصدون، ويجب أن يلتف حولهم عامة الناس، وطلبة العلم بخاصة.