اسم الکتاب : العلم يدعو للإيمان المؤلف : كريسى موريسون الجزء : 1 صفحة : 13
مقدمة بقلم: الدكتور أحمد زكي
مدير جامعة القاهرة سابقاً
في الاشتغال بمطالب العيش، والاغتمار في غمرة الحياة، ينسى الناس ان يفكروا، فيتساءلون: ما الغاية من هذا الوجود؟ وما اشتغال بعيش، وما إغتمار حياة، وقد ينتبه الناس من غفلة، أو يستيقظون من نومة، إذا اصابهم مرض، أو اصابهم عجز، أو نابتهم نائبة. وشر النوائب عندهم الموت، ينزل بقريب، أو ينزل بحبيب، ففي هذه الفترات السوداء، البارقة في سوادها يتوقف الناس يستخبرون: من اين جئنا، والى أين المصير؟
ولكنها فترات لا تطول، فحوافز العيش تعود فتحفز ويشتد حفزها، والحياة تعود تهتف بحاجاتها ويشتد هتافها، والإنسان منا يلبي جبرا لا اختياراً، ويتركز على يومه، وينسى أمسه الذي كان، وينسى يومه الذي سوف يكون، إلا من حيث ما يطعم، ويلبس، ويلد، ومن حيث ينعم أو يشقى بالحياة.
ولكن مع كل هذا، فمن تحت صخب النهار، ومن بين الاصوات الصارخة في معركة العيش، يحس الإنسان منا صوتا خافتا يحاول دائما ان يصل إلى الآذان. وهو يصل اليها عندما يتعب القائم فيحتاج إلى القعود، وعندما يجهد الجاهد فيتصبب عرقا فيأوى إلى ركن هادئ يخفف عن وجهه عرقه الصبيب. أو هو يصل اليه في هدأة ما الليل، وهو قاعد في العراء، يرعى أشياء هذه الأرض، ويرعى على الأكثر أشياء هذه السماء.
وهو إذ يرعى السماء، يرعى أشياءها، يرعى نجومها، يزداد هذا الصوت الخافت في آذانه ثم يزداد، حتى يصير صراخا: هذه السماء ما هي؟ وهذه النجوم ما اعدادها، وما أبعادها؟ وما فتات من النور المبعثر في هذه القبة البلقاء بعثرة الرمال في الصحراء؟ وكيف تحور هذه القبة وكيف تدور؟ وما شروق لها وما غروب؟ وما نسق وأنساق تجري عليها، ومواعيد تضر بها فلا تخلف أبدا؟
ويأخذ ينعم النظر رافعا بصره، وهو إذ يملأ بالذي يراه عينا، يملا في فكرا، ويملأ به قلبا. وعندئذ يرى تلك الصور وفي تجري في أزمة يجمعها آخر الامر زمام واحد، ويرد تلك المعاني، وهي مختلفة كاختلاف الوان الطيف من أحمر وأصفر وأزرق، ثم تجتمع كما يجتمع الطيف فيكون منه لون أبيض واحد، ويرد كل هذه المعاني، ويرد كل هذه الصور، وكل هذه المباني، إلى يد صناع واحدة، تحركها ارادة عاقلة منسقة هادية واحدة.
فتلك يد الله.
وتلك ارادة الله.
على هذا جرى الاقدمون واهتدوا إلى كشف حقيقة الله.
اسم الکتاب : العلم يدعو للإيمان المؤلف : كريسى موريسون الجزء : 1 صفحة : 13