الثقافة التي نحتاج إليها الدكتور محمد تقي الدين الهلالي: المدرس في الجامعة
هذا موضوع مهم جدا وواسع يحتاج بيانه بالتفصيل إلى تأليف كتاب مستقل، ولكن نجمل الكلام فيه إجمالا حسبما يسمح به المقام فنقول: إن كل شعب يبغى أن يعيش سعيدا يحتاج إلى أمور..
أولها: القوة الروحية وهي تتوقف على الدين الصحيح الذي يملأ قلوب أبناء الشعب إيمانا وحماسة ويؤلف بينهم ويكون العروة الوثقى التي لا تنفصم، ومن أراد أن يرى بعينيه شاهدا على ذلك فلينظر إلى العرب قبل الإسلام وبعده. وأما حالهم قبل الإسلام فكل من له أدنى إلمام بالتاريخ يعرفها حق المعرفة. ومن لم يكن له إلمام بالتاريخ ففي القرآن الذي هوكتاب متواتر لا يشك في تواتره أحد لا موافق ولا مخالف، فيرى فيه أن العرب كانوا يقتلون أولادهم بسبب الفقر ويئدون بناتهم لأسباب خسيسة وكانوا لا يورثون الإناث ولا الصبيان لأنهم كانوا يحصرون امتلاك الأموال في من يحمل السلاح ويقاتل لأن العاجز عن ذلك كالنساء والصبيان لا يستطيع أن يدافع عن المال ويصد عنه غارات المغرين المتوالية إذ كان يجب على كل من يملك شيئا أن يقاتل عنه ضرورة أنه لم يكن لهم قانون ولا دولة ولا نظام ولا وازع ديني يكفّهم عن سلب الأموال والأرواح بل كانوا يرثون النساء زيادة على عدم توريثهم كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} سورة النساء.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "قال البخاري بسنده إلى ابن عباس قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية.. هكذا ذكره البخاري وأبوداود والنسائي وغيرهم من حديث أبي إسحاق الشيبانى. ومن هنا نعلم فضل الإسلام على العرب أولا ثم على جميع المسلمين ثم على جميع العالمين كيف رفع قدر النساء بعد أن كن متاعا يورث كسائر الأموال ولم يكن أحد يفكر لا من العرب ولا من غيرهم في تسويتهن بالرجال في حرية التصرف بأنفسهن وفي أموالهن حتى جاء الإسلام فرفع عنهن هذه العبودية وأعطاهن حقا