فدل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم استنصت أصحابه قبل أن يعظهم ليهيئ نفوسهم لسماع كلامه، ثم حفظه ثم العمل به، ونشره، وقد ذكر ابن حجر حكمة عظيمة بين فيها التدرج في تلقي العلم، وأن أوله الاستماع فقال: " قال سفيان الثوري وغيره: أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر " [1] .
ومما كان يهيئ به صلى الله عليه وسلم نفوس أصحابه للسماع والفهم أنه عليه الصلاة والسلام كان يبدءوهم بالسؤال أولا ثم يلقي عليهم المسألة، يدل على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: «يا أيها الناس أي يوم هذا؟ " قالوا: يوم حرام، قال: " فأي بلد هذا؟ " قالوا: بلد حرام، قال: " فأي شهر هذا؟ " قالوا: شهر حرام، قال: " فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا» . . . " [2] .
فكرر صلى الله عليه وسلم السؤال ثلاث مرات ليكون أبلغ في فهمهم وإقبالهم على كلامه، يشير إلى ذلك ابن حجر رحمه الله بقوله: " قال القرطبي: سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه، ولذلك قال بعد هذا: فإن دماءكم. . . إلخ، مبالغة في تحريم هذه الأشياء انتهى " [3] . [1] ابن حجر، فتح الباري 1 / 294. [2] البخاري، صحيح البخاري، كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى (ك 32ح 1652) 2 / 619. [3] ابن حجر، فتح الباري 1 / 214.