المجال مرغمتين لدولتين أخريين هما أمريكا وروسيا، وببروز هاتين الدولتين منذ ذلك الوقت وإلى اليوم نشأ استعمار جديد حل مكان الاستعمار الإنجليزي والفرنسي التقليدي القديم.. وبحلول الاستعمار الجديد تغيرت كافة الأساليب الاستعمارية القديمة التي كانت تعتمد على الجيوش الغازية والمعاهدات التي تخول للمستعمر الاستئثار بالسياسة الخارجية والأمن الداخلي والحماية الخارجية إلى استعمار جديد يعتمد على المعاهدات الاقتصادية، والألاعيب السياسية والعملاء المدربين.
وإذا كان الاستعمار القديم قد خلق أبطالاً شجعاناً سواء من الجيوش الاستعمارية أو من الشعوب التي حارب أبطالها دفاعاً عن أرضها وحماها، فإن البطولة الجديدة التي خلقها الاستعمار الجديد ليست هي بطولة الحروب، وركوب الأخطار، وإنما هي اليوم اتقان فن الكذب والدهاء واللف والدوران والمناورة، فالاستعمار الجديد استعمار تصنعه أجهزة المخابرات التي لا يوجد في قواميسها وسيلة ممنوعة للوصول إلى الأهداف، وهذه الأجهزة الرهيبة التي يستحيل على من هم خارجها أن يعرفوا ما يدور فيها يتحكمون بكل شيء تقريباً حتى برؤساء الدول العظمى التي تدبر عجلة هذه الدوامة، هذا الأخطبوط الخفي الذي لا يعمل إلا في الظلام هو المحرك الحقيقي للدوامة العالمية التي نعيشها اليوم، وهذه المظاهر والظواهر السياسية التي نشاهدها في كل مكان من ثورات وانقلابات وحروب وتصريحات وتهديدات يستحيل تفسيرها إلا وفق المعادلات المعقدة التي تحكم هذه السياسة الخفية، والذين يحاولون منا تفسير هذه الظواهر السياسية بعيداً عن فهم هذه المعادلات المعقدة يقعون في التناقض ثم في الحيرة والالباس ثم في اليأس واعتزال الفهم والتفكير..