اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 257
قد تصلح دعوة التعصب لجنس أو لون أو قوم في مجتمعات بدائية ليس لها رصيد خلقي ولا قاموس أدبي، وقد تصلح لتجمع بشري لم يستهد بهدي الله العلي العظيم، ولم يستضئ بتعاليم الدين، ولم يستنر بنوره الذي يبدد كل جهالة وكل ظلام.. كالمجتمع العربي قبل الإسلام. فقد كان اعتزاز العرب بأنسابهم اعتزازًا قويًّا جارفًا يجعلهم في تصورهم الخاطئ في مقدمة الركب الإنساني أو في منزلة أرفع من منزلة الإنسان، وكانت قريش -على الخصوص- تأخذها العزة القبلية دائمًا، فإذا حجَّت مؤدية عبادة لله تعالى لم تقف في عرفات حيث يقف الناس، ولم تفض من حيث أفاضوا استعلاء واستكبارًا بغير حق. فجاء الإسلام ليمنح الإنسانية عقيدة التوحيد، ويهبها رسالة السعادة والحب والمودة والألفة والمساواة، فقال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [1], ونلحظ اليوم ثمة مجتمعات تنادي للتكتل حول الجنس أو العرق أو القبيلة، ويرافق هذه التكتلات آلاف من الأصوات تئن تحت وطأة الظلم، وصيحات من الألم -تكتم أنفاسها- بسبب اختلاف اللون أو الجنس.. وكلنا يعلم ما الذي يعانيه الزنوج الحمر والسود في أمريكا بسبب اختلاف الجنس واللون، هذه الدولة التي تعتبر نفسها في مقدمة الركب العالمي حضارة ومدنية وتقدمًا، بل تظن أن محور العالم في قبضتها وطوع أمرها تحركه كيفما شاءت، ولنا أن نتساءل: أليس للأخلاق اعتبار في التقدم الحضاري؟ أو ليس للقيم منزلتها اللائقة في الثقافة الأمريكية؟ ولا يزال الملونون في إفريقيا يعانون ما يعانون ويكابدون ما يكابدون من ظلم وتعسف وحرمان.. كل هذا بسبب اختلاف الألوان والأجناس.. هذا الأمر الذي ليس لهم فيه يد ولا قوة ولا حول، ولكنه الظلم المتأصل في النفس التي لم يهذبها التوحيد ولم يحالفها السعد فتصبغ صبغة إيمانية كاملة.
وأين موقع هذه المجتمعات التي تعتبر نفسها متقدمة مدنية من المجتمع الذي أقام دعائمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم، وآدم من تراب، وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى. ألا هل [1] سورة البقرة: 199.
اسم الکتاب : أضواء على الثقافة الاسلامية المؤلف : العمري، نادية شريف الجزء : 1 صفحة : 257