responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أصول الدعوة المؤلف : عبد الكريم زيدان    الجزء : 1  صفحة : 105
يعرفونه، ولم يخطر ببالهم، فالرومان واليونان والفرس والعرب قبل الإسلام أقاموا مجتمعاتهم على أساس الجنس أو القبيلة أو السلالة أو الإقليم، وبنوا على هذا الأساس أباطيل كثيرة تولَّد عنها الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان، فلمَّا جاء الإسلام بهذا الأساس الجديد لبناء المجتمع ونظامه، كان ذلك انقلابًا هائلًا في الحياة البشرية، تكريمًا للإنسان، ووضعًا للأمور في نصابها، فليس من اللائق بالإنسان بناء مجتمعه على أساس الجنس أو القبيلة أو الأقليم، كما كانت تفعل المجتمعات الجاهلية قبل الإسلام؛ لأنَّ أصل البشر واحد، ولا يمكن حجب هذه الحقيقة باختلاف الناس بالأنساب والأجناس؛ لأن أجناسهم وشعوبهم المختلفة كالأغصان للشجرة الوحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، وفي الحديث الشريف عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "كلكم لآدم وآدم من تراب" وكذلك لا معنى لاتخاذ الإقليم أساسًا للمجتمع البشري؛ لأنَّ الأرض خلقها الله للناس، فهي إقليمهم، وهي وطنهم المشترك، قال تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} ، وأيضًا فإنَّ الجنس والقبيلة والسلالة لا يصلح واحد منها أن يكون أساسًا للمجتمع البشري، لأنه بطبيعته ضيق لا يمكن ان يسع الناس جميعًا، فليس بمقدور أحد أن يكون من هذا الشعب أو القبيلة أو الجنس بعد أن خلقه الله من غيرها، وإنما الممكن المقدور للإنسان أن يعتنق العقيدة الإسلامية، فيكون من أعضاء المجتمع الإسلامي، ومن يرفض اعتناق هذه العقيدة فإنَّ المجتمع الإسلامي لا يرفض قبوله فيه إذا رغب هو في الانتماء إليه، بشرط إعلان ولائه له وخضوعه لنظامه عن طريق عقد الذمة، وفي هذه الحالة سيجد غير المسلم مكانًا أمينًا في هذا المجتمع الفكري، ويتمتع بالحقوق العامة والخاصة، وبحماية تامَّة لنفسه وماله وعرضه، وعلى هذا، فقول البعض: إن إقامة المجتمع على أساس العقيدة الإسلامية بغير اضطهاد غير المسلمين وإكراههم على تبديل دينهم قولٌ باطل، هو من قبيل التشويش والتضليل والجهالة، فالإسلام يقرر في القرآن لكريم: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ، والفقهاء يقررون قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، والواقع يشهد بأنَّ غير المسلمين عاشوا في المجتمع الإسلامي منذ عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحتى اليوم دون أن يمسَّهم أذى أو تضييق بسبب دينهم، والواقع يثبت أنَّهم طفروا بحماية ورعاية من المسلمين لا نجد لهما نظيرًا مطلقًا في أيِّ مجتمع بالنسبة للأقليات التي فيها والتي لا تدين بدينه، ويكفي أن نذكر هنا مأساة الأندلس وما أصاب المسلمين هناك

اسم الکتاب : أصول الدعوة المؤلف : عبد الكريم زيدان    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست