responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أجنحة المكر الثلاثة المؤلف : الميداني، عبد الرحمن حبنكة    الجزء : 1  صفحة : 436
الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية

متى غرقت أمة من الأمم في الترف، وأبطرتها الرفاهية التي تجر ذيولها مستكبرة، دبت فيها عوامل الانهيار الخلقي، وبدأت تنسى الله والدار الآخرة، وتتعلق بزخرف الحياة الدنيا كأنها فيها خالدة، وتسعى وراء غرائب اللذات، وتتجدد لديها مطالب مستنكرة من متع الحياة، وأخذ مترفوها يتنافسون في ابتكار أنواع مستحدثة مما يشتهون أو به يتلهون، ويبددون فيها أموالهم، ويبذلون فيها طاقاتهم الجسدية والفكرية والنفسية، ويتفننون في تصيد المتع من كل وجه، حتى إذا ما اختبروا ما أباح الله من لذّات سئموها، ولذَّ لهم أن يتجاوزوا حدود ما أحل إلى ما حرم، وعندئذ يتسابقون إلى ارتكاب غرائب المحرمات والموبقات، حتى يفقدوا كل ذوق إنساني مقبول، ويضعوا أنفسهم في المنتنات القذرات المهلكات.
وبسبب ذلك تصاب عوامل التقدم العلمي والحضاري فيهم بالركود والخمول، وثم بالموت والفناء، لأن طاقاتهم قد اتجهت في طريق آخر طريق لذات الجسد ومتعه، مع البطر والتفاخر والتكاثر والطغيان، إذ فتحت لهم أموالهم وما أترفوا فيه كل باب من أبواب الاستمتاع بالحرام.

ثم تصاب قلوبهم بقساوة شديدة، تفقد معها كل عطف إنساني، أو رحمة بالضعفاء وذوي الحاجات، وربما يجدون لذتهم ومتعتهم في أن يشاهدوا ذل الآخرين وعذابهم بين أيديهم، ولقد شهدت بعض الامبراطوريات المنقرضة مثل ذلك، فكان سبب دمارها، ويقص علينا التاريخ من أنباء الامبراطورية الرومانية الشيء الكثير عن ذلك، وأنها حينما أترفت لذّ لمترفيها أن يستمتعوا بمشاهدة خلق من خلق الله أمثالهم تفتك بهم الوحوش الضارية، أو يتصارعون حتى يقتل بعضهم بعضاً، ويضيفون هذه المشاهدة إلى باذخ ترفهم الذي يستمتعون به.

هذا الجو المكفهر المجرد من المعاني الإنسانية الكريمة، المشحون بالأنانية

اسم الکتاب : أجنحة المكر الثلاثة المؤلف : الميداني، عبد الرحمن حبنكة    الجزء : 1  صفحة : 436
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست