ومتى انهارت في الفرد فضيلة الأمانة انكسر فيه معقد من معاقد الترابط الجماعي , فانقطعت بينه وبين مجتمعه رابطة عظمى , وغدا الناس لا يأمنونه على أي شيء ذي قيمة معتبرة لديهم , خاصاً كان أو عاماً , لأنهم يقدرون في نفوسهم أن سيسطو عليه لنفسه , بعد أن غدت رذيلة الخيانة هي الخلق الذي خبروه فيه.
المثال الثالث: خلق العفة , إن هذا الخلق بوصفه خلقاً ثابتاً في الفرد المسلم السوي معقد من معاقد الترابط الجماعي , إذ تنعقد فيه ثقة الناس بما يضعون بين يديه من أعراضهم , فتأمنه الأسرة على أعراضها إذا غابت , ويأمنه الجار على عرضه إذا خرج من منزله إلى عمله , وتأمنه الزوجة إذا غاب عنها من أن يختان نفسه , ونحو ذلك.
ومتى انهارت في الفرد فضيلة العفة انكسر فيه معقد من معاقد الترابط الجماعي فانقطعت بينه وبين مجتمعه رابطة عظمى , وأمسى الناس لا يأمنونه على أعراضهم , ولا يأمنونه على بلادهم ومصالحهم العامة , لأنهم يقدرون في نفوسهم أن أعداءهم سوف يسهل عليهم شراؤه من مغمز عفته , فإذا اشتروه سخروه في خدمة أغراضهم.
وهكذا سائر الأخلاق الفاضلة الإسلامية , كالعدل , والجود , والوفاء بالوعد والعهد , والإحسان , والعطف على الناس , والتعاون , وغير ذلك من فضائل الأخلاق , وبانهيار كل خلق منها ينكسر معقد من معاقد الترابط الجماعي , وتتقطع ما بينه وبين مجتمعه الرابطة المتصلة بهذا المعقد. وبانهيارها جميعاً تنكسر جميع معاقد الترابط الجماعي , وتنحل جميع الروابط الاجتماعية , ويمسي المجتمع مفككاً منبثاً , كحبات رمل تسفيها الرياح.
ولا تكون الدعوة إلى التكتل والتجمع ناجحة ما لم يرافقها تأسيس خلقي في الأفراد , ويضمن للجماعة الواحدة معاقد التماسك , وأي تجمع ليس بين أفراده ترابط حقيقي , مشدود في معاقد خلقية متينة فاضلة , فإنه تجمع يشبه تجمع كثبان الرمل من غير أربطة بينها.