ففي هذه النصوص يؤكد الله مِنّته على الأمة العربية بإنزال القرآن بلسانها , تشريفاً للغتها وتكريماً لها.
وإن كتاباً قد بلغ هذا المجد العظيم حقيق بأن تبذل من أجل الحرص عليه حياة أجيال , وحقيق بأن تكون لغته محور لغة الأمة التي شرّفها الله به , وأن يكون صراطه سبيل حياتها , وأن تكون مبادئه وفلسفته أسس عقائدها ومفاهيمها.
أما الذين يحاولون صرف الأمة العربية والشعوب الإسلامية عن العربية الفصحى , فهم يعملون ليخلعوا عن هذه الأمة مجدها العظيم.
ومع اعترافنا بأن الخطة الذكية , التي سلكها الأعداء الغزاة , المشتملة على استئجار أجراء من داخل البلاد الإسلامية , لتحقيق أهدافهم في هدم الإِسلام , قد كانت أكثر نجاحاً من خططهم السابقة التي واجهوا بها المسلمين صراحة , وهم يعلنون عداءهم الصريح لهم ولدينهم ولماضيهم وكل ما يتصل بهم.
ومع اعترافنا أيضاً بأن أبناء المسلمين الذين تربوا على أيدي أعداء الإِسلام , وتأثروا بهم , قد كانوا أكثر إنفاذاً لأفكار الغزاة وأكثر نشراً لها داخل المجتمعات الإِسلامية من الأعداء أنفسهم , لأنهم من جلدتهم , وينطقون بلغتهم , ويتظاهرون بالغيرة عليهم , ويستطيعون أن ينفذوا إلى مراكز القيادة فيهم , ويجد كلٌ منهم عشيرة تناصره , وعصابة تؤازره , وجماهير تحسن به الظن , لأنه بحسب الظاهر غير متّهم على قومه , إذ هو منهم , مع أنه في الحقيقة قد خرج بأفكاره وعواطفه الصادقة عنهم خروجاً بيناً , بسبب عملية الصهر