اسم الکتاب : دروس للشيخ سلمان العودة المؤلف : سلمان العودة الجزء : 1 صفحة : 2
حقيقة السعادة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يكفره.
ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه وخيرته من خلقه محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى أصحابه وأزواجه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الأحبة! صناعة السعادة معنىً كبير، ولا أكتمكم أني جمعت فيه الكثير الكثير حتى تحيرت فيما أختار لكم، فوجدتني بعد تلخيص التلخيص مقتصراً على ثلاثين فقرة أو ثلاثين عنواناً، وإذا كان الوقت المخصص لها ساعةً فحسب، فمعنى ذلك: أن كل عنوان يجب ألا يتجاوز دقيقتين فقط، فأسأل الله لي ولكم العون والفهم والسداد.
السعادة لا يمكن الوصول إليها بكنوز الفضة والذهب؛ لأنها أغلى من كنوز الدنيا كلها.
السعادة كاللؤلؤ في أعماق البحار, بحاجة إلى غواصٍ ماهر يتقن صنعة الاكتشاف.
السعادة هي مواقفك، وكلماتك، وتطلعاتك، ونظراتك إلى الحياة بواقعية وأمل وتفاؤل وإشراق ابحث في داخلك، ففي أعماقك كنز ثمين حين تكتشفه تعرف معنى الحياة: دواؤك منك ولا تبصر وداؤك فيك وما تشعر وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر بسمة طفل طهور لهج لسان صادق عفو قلب متسامح هدية بلا منٍّ ولا أذى خفقة حب حنون هدف نبيل كرب ينكشف نعمة تتحقق ساعة جهد وعمل وعرق تعقبها راحة ونجاح وسرور.
إنها معنىً لا يعرف بالعين، ولا يقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يشترى بالدولار أو بالدينار أو بالجنيه أو بالروبل.
إنها صفاء نفس، وطمأنينة قلب، وانشراح صدر، وراحة ضمير، من الداخل تأتي وليست تستورد من الخارج لفظ حلو يبعث على الروح والهمة والنشاط، كلمة سحرية لها رنين رقيق ضمير نقي نفس هادئة قلب شريف ميراث رضواني قد يجدها الفقير ويحرم منها الغني حقيقة من الحقائق لا يتوصل إليها عن طريق الخيال.
لكن يا ترى ماذا تعني السعادة في نظرهم؟! في استفتاء أجري على حوالي ستة عشر ألف إنسان، سئلوا فيه: ما هي السعادة؟ كانت إجاباتهم كالتالي: أولاً: السعادة هي الحب (35%) تقريباً.
ثانياً: السعادة هي الرضا (28%) .
ثالثاً: السعادة هي الصحة (17%) .
رابعاً: السعادة هي الزواج (7%) .
خامساً: السعادة هي المال (5.
5%) .
سادساً: السعادة هي الأطفال، حوالي (4%) .
ولقد ذكر الأستاذ العقَّاد قصة لزميل له رسام حاول أن يتخيل السعادة أي شيء تكون، فتصورها في صورة فتاة مراهقة تركض ذات اليمين وذات الشمال، في قوة ودعة واندفاع، وشعرها يتطاير يمنة ويسرة.
يقول: فاستدركت عليه وقلت له: إنني أتخيل السعادة وهي تجاوزت هذا العمر، فهي ليست في فترة الغرارة والجهالة والصبا والاندفاع، وإنما هي في فترة التجربة والقوة والخبرة، وأيضاً ليست السعادة شيئاً كهذا، إن هذا يمكن أن يعبر عنه بالفرح أو بالقوة أو بالاندفاع أو بالمراهقة، أما السعادة فإنها شيء فيه معنى الرضا والاكتفاء، فلا بد أن تكون ملامحها راضية هادئة حزينة مؤمنة، ولا بد من ألم تلطفه الذكرى، ولذة يطهرها الحنو، ونشاط يلوح عليه التعب والإعياء.
السعادة -أيها الحبيب- ذوق ووجد وإحساس، ليست معنىً علمياً نظرياً، ولا شيئاً يرسم بالحدود والتعريفات كما ترسم المسائل العلمية.
قد تطرق السعادة باب الإنسان فيعرض عنها وهو أحوج ما يكون إليها، ومن ذلك مثلاً: سعادة الطفولة والصبا، فإن الكثيرين يستمتعون بالسعادة ولا يعرفون اسمها.
إن كانت السعادة بالمال مثلاً فالجبال والمناجم أقوى وأكثر منا سعادة.
وإن كانت بالجمال والزينة والنُضرة فالورود والشقائق أجمل وأتم زينة.
وإن كانت بالبطش والقوة والطغيان وجهارة الصوت، أو قوة الشباب والجنس، أو كثرة الأكل أو فورة الغضب فالوحوش أقوى وأتم سعادة منا.
أما إن كانت السعادة في الأخلاق العالية، والروح المهذبة، والقول الرشيد، والصنعة الرفيعة، فإن الإنسان هو الأجدر بها.
اسم الکتاب : دروس للشيخ سلمان العودة المؤلف : سلمان العودة الجزء : 1 صفحة : 2