اسم الکتاب : خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان المؤلف : عبد الرحيم الطحان الجزء : 1 صفحة : 381
.. قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في تقرير للروح بما سبق في الدليل المائة، وهو ما قد اشترك في العلم به عامة أهل الأرض من لقاء الموتى، وسؤالهم لهم، وإخبارهم إياهم بأمور قد خفيت عليهم فرأوها عياناً، وهذا أكثر من أن يتكلف إيراده، وأعجب من هذا: (الوجه الحادي والمائة) وهو أن روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عياناً، وهي من تأثير للروح في الروح، كما ذكر القيرواني في كتاب "البستان" عن بعض السلف قال: كان لي جار يشتم أبا بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – فلما كان ذات يوم أكثر من شتمهما فتناولته وتناولني فانصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين، فنمت وتركت العشاء، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فقلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلان يسب أصحابك، قال: مَنْ أصحابي؟ قلت: أبا بكر وعمر، قال: خذ هذه المُدْية فاذبحه بها فأخذتها فأضجعته وذبحته، ورأيت كأن يدي أصابها من دمه، فألقيت المدية، وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها، فانتبهت، وأنا أسمع الصراخ من نحو داره، فقلت ما هذا الصراخ؟ قالوا: فلان مات فجأة، فلما أصبحنا جئت فنظرت إليه، فإذا خط موضع الذبح [1] . [1] انظر كتاب الروح: (188-189) ، وانظر كلامه على متعلقات الروح الخمسة في: (43-44) وتقسيمه الدور التي يعيش فيها الإنسان إلى ثلاثة دور، وأحكام كل دار في: (63-64) ، وانظر الكلام على تعلقات الروح، وأعداد الدور في شرح الطحاوية: (354-357) ، وانظر كتاب الروح: (61-74) ، فقد قرر الإمام ابن القيم عذاب البرزخ ونعيمه، بأدلة وشواهد واقعية، فعليه رحمة رب البرية، وانظر بعض تلك الأدلة في فتح الباري: (3/235) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (6/108) وهذه شذرة ملخصة من بعض كلام الإمام ابن القيم: عذاب القبر ونعيمه، اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، ويشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، سمي عذاب القبر ونعيمه، وأنه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، باعتبار غالب الخلق، فالمصلوب والحرق والغرق، وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب، وكيفياتهما – فلو علي الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح أو أحرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء لوصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور إن كان مستحقاً له، ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه وحظه، فيجعل الله النار على هذا برداً وسلاماً، ويجعل الهواء على من علق على رؤوس الأشجار – إن كان مستحقاً للعذاب، فعناصر العالم وموارده منقادة لربها فاطرها وخالقها يصرفها كيف يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده بل هي طوع مشيئته مذلله منقادة لقدرته، ومن أنكر فقد جحد رب العالمين، وكفر به، وأنظر ربوبيته.
وقد أرانا الله – سبحانه وتعالى – بلطفه ورحمته وهدايته نموذجاً في الدنيا من حال النائم فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلاً، والبدن تبع له وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيراً مشاهداً فيرى أنه ضرب فيصيح، وأثر الضرب في جسده، وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في نومه، ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان، وهو نائم لا شعور له بذلك وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه، ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحسن، فإذا كانت الروح تتألم وتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع فهكذا في البرزخ بل أعظم فإن تجرد الروح هنالك وأكمل وأقوى، وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع، ومتى أعطيت هذا الموقع حقه تبين كل أن ما أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من عذاب القبر ونعيمه، وضيقه وسعته، وضمه وكونه حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه، وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه، وقلة علمه أتى، كما قيل:
وكم من غائب قولا ً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
وأعجب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد، وهذا روحه في النعيم، ويستيقظ وأثر النعيم على بدنه وهذا روحه في العذاب ويستيقظ وأثر العذاب على بدنه، وليس عند أحدهما خبر بما عند الآخر فأمر البرزخ أعجب من ذلك، وذكر نحو ذلك الإمام ابن حجر – عليه رحمة الله تعالى – وملخص كلامه: لنعيم البرزخ وعذابه نظير في العادة، وهو النائم فإنه يجد لذة وألماً لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألماً ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه، ولا يدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله – تبارك وتعالى –.
اسم الکتاب : خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان المؤلف : عبد الرحيم الطحان الجزء : 1 صفحة : 381