responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد    الجزء : 1  صفحة : 137
وقد ذكرنا لك أربعا منها في الكلام على المذهب الكوفي، وسبعا منقولة عن الأنباري في نتائج المخالفة بين الفريقين.
وما مثل الفريقين عند التقريب إلا كمثل الطبيب والمتطبب، فالبصريون كالطبيب الذي عانى المهنة حدثا وحذقها مدركا فأحكمها وأفاد المجتمع عن طول مدة ودقة خبرة، والكوفيون كالمتطلب الذي قد اكتهل ونظر الطبيب وما يسديه فوجد عليه ثم نعرف منه وقارعه، فإن الكوفيين ما منهم إلا من أخذ عن البصريين أرباب هذا الشأن بينما لم يتلق أحد من البصريين عن واحد منهم، قال السيوطي "وكذلك أهل الكوفة كلهم يأخذون عن البصريين وأهل البصرة يمتنعون من الأخذ عنهم لأنهم لا يرون الأعراب الذين يحكون عنهم حجة"[1].
إن احتضان العباسيين للكوفيين خصوصا بعد اتصال الكسائي وأصحابه هو الذي رفع من شأنهم عند أنفسهم واستخفهم إلى مناصبة البصريين، لحبهم إياهم وإيثارهم على البصريين لما قدموا من مؤازرتهم في تكوين دولتهم إذ كانوا شيعتهم من جهة ولقربهم عن البصريين من جهة أخرى، فأدنوهم منهم قبل البصريين، وأسبغوا عليهم نعمهم وأجزلوا لهم منحهم وأدخلوهم قصورهم واتخذوا منهم السمار والمؤذبين والمعلمين، فالمفضل الضبي وشرقي بن القطامي الكلبي مؤدبا المهدي، والكسائي معلم الرشيد ثم مؤدب ولديه الأمين والمأمون، والفراء رائد أولاد المأمون، وابن السكيت شيخ أولاد المتوكل، وابن قادم معلم المعتز بالله، وثعلب أستاذ عبد الله بن المعتز وابن طاهر، وبذلك قبضوا على أعنة الحركة العلمية في بغداد وساد مذهبهم فيها وانتشر قبل المذهب البصري، حتى انقاد إليه كثير من العلماء حرصا على التقريب من الدولة، وتغلغلت الناس في الأخذ بدعمائه فنفقت سوق الروايات الشاذة والموضوعة، حتى عمي على الناس الطريق

[1] المزهر النوع الرابع والأربعين جـ2 ص256.
اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد    الجزء : 1  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست