اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 125
فقد كدت يا بكر من طول ما ... أفكر في أمر "أَنْ" أَنْ أجن1
ولو أن الخلاف النحوي أغلق بابه بعد البصري والكوفي على ما به في مناحيه المختلفة المضطربة لهان الخطب، ولكنه تشعبت مسالكه بعدهما، فكان المذهب البغدادي والأندلسي وغيرهما من المذاهب الشخصية الخاصة الملفقة مما أجهد النحوي وأنصبه، على أنه في خلال هذه المذاهب الرئيسية خرج الكثير من علمائها عليها فلم يقف عند إجماع وسبق في ترجمة الأخفش والمبرد ما تعرفت منه خروجهما على المذهبين: البصري والكوفي، وما عاب العلماء اتخاذ أحدهم مذهبا مستحدثا متى كان مستنده قويا، فإن المذاهب مبنية على ظنون قوية فقط، قال ابن جني "وإنما لم يكن فيه قطع لأن للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس، ما لم يلو[2] بنص أو ينتهك حرمة شرع إلخ"[3].
ولقد مني هذا الفن من بين الفنون قديما وحديثا بكثرة الأقوال وتضارب الآراء، ويشفع لذلك أن أساسه الأهم من استعمالات العرب لم يسلك اتجاها متوحدا معينا، فالقبائل التي اعتد بها وأخذت عنها الشواهد مختلفة في كثير من الأساليب، يضم إلى ذلك اضطراب المرويات نفسها وورودها بألوان متغايرة قد تتباعد معانيها في بعض الأحيان فينتقل البيت من مدح إلى ذم وبالعكس وهكذا، وربما عمي الأمر واشتبه الحال وهنأ المرتع للتصحيف والتحريف، والأمثلة في كل ذلك متعارفة مشهورة، وتقدم لك بعض منها في شواهد سيبويه، وسيرد عليك كثير منها في الكلام على المغني وشرح الأشموني وحاشية الصبان، بما تعرف منها انتشار التصحيف والتحريف في كتب النحاة ووراء هذين الأمرين الفوضى المنتشرة في نسبة الشواهد
1 القصيدة في عيون الأخبار كتاب العلم والبيان "الإعراب واللحن" جـ2 والنوادر للقالي ص186، والعقد الفريد الياقوتة في العلم والأدب "نوادر من النحو" وأخبار النحويين البصريين ترجمة المازني، والإنباه ترجمة دماذ. [2] من ألوى بحقه إذا جحده. [3] الخصائص باب "في الاحتجاج بقول المخالف" جـ1، ص196.
اسم الکتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة المؤلف : الطنطاوي، محمد الجزء : 1 صفحة : 125