responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 554
لسان الدين على سابق صلة به واتفاق معه -وأعدت له المراكب ليعبر البحر إلى سبتة على الشاطئ المغربي تاركًا متاعب الحكم وتدابير المتآمرين، ولكن شجاعته الأدبية تأبى عليه إلا أن يكتب إلى سلطانه الغني بالله بن الأحمر رسالة تعتبر من أنفس الأدب السياسي الإنساني يبدؤها قائلًا:
بانوا فمن كان باكيًا يبكي ... هذي ركاب السرى بلا شك
وينتقل إلى النص النثري من الرسالة قائلًا: مولاي، كان الله لكم، وتولى أمركم. أسلم عليكم سلام الوداع، وأدعو الله في تيسير اللقاء والاجتماع، من بعد التفرق والانصداع، وأقرر لديكم أن الإنسان أسير الأقدار، مسلوب الاختيار، متقلب في حكم الخواطر والأفكار، وأنه لا بد لكل أول من آخر، وأن التفرق لما لزم كل اثنين بموت أو حياة ولم يكن منه بد، كان خير أنواعه الواقعة بين الأحباب، ما وقع على الوجوه البريئة من الشرور".
ويمضي العالم المؤرخ الفيلسوف الكاتب الشاعر، الهاجر السلطان النابذ الحكم المحتقر الوزارة معتذرًا للسلطان الأحمري عن تصرفه هذا في عبارة لبقة ومعنى عميق وأسلوب رفيع بأن هذا الذي أقدم عليه من الترك والارتحال أمر من الصعوبة بمكان "ولكن سهله علي أمور: منها أن الانصراف لما لم يكن منه بد، لم يتعين على غير هذه الصورة إذ كان عندكم من باب المحال، ومنها أن مولاي لو سمح لي في غرض الانصراف، لم تكن لي قدرة على موقف وداعه، لا والله ولكان الموت أسبق إلي، وكفى بهذه الوسيلة الحسنة التي يعرفها وسيلة، ومنها حرصي على أن يظهر صدق دعواي فيما كنت أهتف به وظن أني لا أصدق، ومنها اغتنام المفارقة في زمن الأمان والهدنة الطويلة والاستغناء، إذ كان الانصراف المفروض ضروريًّا قبيحًا إلى غير هذه الحال، ومنها وهو أقوى الأعذار أني مهما لم أطق تمامًا هذا الأمر، أو ضاق ذرعي به لعجز أو مرض، أو خوف طريق أو نفاد زاد أو شوق غالب، رجعت رجوع الأب الشفيق إلى الولد الرضي، إذ لم أخلف ورائي مانعًا من الرجوع، من قول قبيح ولا فعل، بل خلقت الوسائل المرعية والآثار الخالدة والسيرة الجميلة ... إن فسح الله في الأمد، وقضى الحاجة، فأملى العودة إلى ولدي وتربيتي وإن قطع الأجل، فأرجو أن أكون ممن وقع أجره على الله، فإن كان تصرفي صوابًا وجاريًا على السداد، فلا يلام من أصاب، وإن كان عن حمق وفساد عقل، فلا يلام من اختل عقله وفسد مزاجه، بل يعذر، ويشفق عليه ويرحم، وإن لم يعط مولاي حقي من العدل، وجلبت الذنوب، ونشرت بعدي العيوب، فحياؤه وتناصفه ينكر ذلك، ويستخضر الحسنات من

اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 554
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست