اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 336
والنسيان قد يؤدي بالشعر الذي في الحافظة إلى الضياع ما لم يتلقه راوية آخر.
لم يكن الحال والأمر كذلك ليستمر طويلًا، وبخاصة بعد أن أخذت أسباب الرقي الفكري تعم المجتمع الإسلامي. وعرف العرب الكتابة والقراءة. فكان من الطبيعي أن تولد ظاهرة التدوين، التدوين في كل مجال في الحديث وفي الأحكام وفي الشعر أيضًا، وكان الشعراء المحدثون على عهد بني العباس يكتبون شعرهم ويجمعونه في دواوين، أما الشعر السابق على تلك الفترة فكان إعادة تدوينه مع التعريف بأصحابه ومدى تقدم الواحد منهم على أقرانه أو تخلفه عنهم، أي دراستهم على أنهم طبقات يتفاوتون جودة ورداءة، نقول كان ذلك ضرورة أملتها طبيعة التطور فبدأت الحياة الأدبية تثمر، وظهر بعض العلماء الذين تحملوا هذا العبء كل على قدر استطاعته.
هذا وينبغي أن نلفت النظر بشدة إلى الدقة الكبيرة التي كان الشعر يروى بها في نطاق من أمانة الرواية واهتمام الرواة، وإذا وجدت حالات انتحال أو خطأ في الرواية فليس معنى ذلك أن المسألة كانت ظاهرة متفشية، وإنما هي حالات قليلة جرت في فترة بعينها ابتغاء كسب المال، وأما الأصل فهو الرواية الصحيحة الدقيقة ذات النهج الواضح، ولعل أمة من الأمم لم تحتفل بالرواية الصادقة، ووضع أصول لها كما فعل المسلمون عند اهتمامهم بجمع الحديث الشريف. إن الذين جمعوا الشعر لم يكونوا بعيدين كثيرًا عن الذين جمعوا الحديث ورووه، وقد وجد المدلس، والوضاع عند كل من الفريقين، فليس معنى وجود بعض المدلسين والوضاعين بين المحدثين أن حديث رسول الله لم يرو رواية صالحة، وبالتالي لا يعني وجود طبقة أو بالأحرى عدد من الوضاعين والملفقين في نطاق رواية الشعر أن الشعر المروي القديم قد فقد شيئًا من قيمته ومدى نسبته إلى أصحابه.
طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي:
إن محمد بن سلام الجمحي، هو أول من ألف كتابًا على هذا النحو في طبقات الشعراء، ونحن لا نعرف تاريخ ولادة ابن سلام على وجه التحديد، وإذا كان كل من الخطيب البغدادي وياقوت يذكر أنه مات سنة 231 أو 232هـ وأنه مات كبيرًا، وذكر صاحب تاريخ بغداد أن ابن سلام قدم على الحسين بن فهم سنة 222هـ فاعتل علة شديدة فما تخلف عنه أحد، وأهدى إليه الأجلاء أطباءهم، وكان ابن ماسويه الطبيب المشهور ممن أهدى إليه، أي ممن دعوا إلى فحص علته، فلما جسه ونظر إليه قال له: ما أرى من العلة كما أرى من الجزع، فقال: والله ما ذاك لحزني على الدنيا مع اثنتين وثمانين وسنة، ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة، ولو وقفت بعرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة، وقضيت أشياء
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 336