responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 32
إنها وسائل بسيطة ابتدائية، ثم كان العمل الجليل الخطير الذي قام به أبو بكر في خلافته، بوصية من عمر، ونعني به جمع القرآن من صدور الحفاظ، ومن الرقاق والأضلاع والرقاع والسعف والحجارة التي كتب عليها، فبدأت عملية التدوين الكبرى الخالدة التي تخطئ قيد أنملة فيما قامت به من مهمة ليس لها مثيل في التاريخ.
إن تدوين القرآن الكريم بعد جمعه يعتبر البداية الفعلية الخطيرة لعلم التدوين.
والحق أن عملية جمع القرآن كانت من الدقة والعناية والحذق بمكان، ولكن الأمر لم يقف بالقرآن الكريم عند جمعه ولا بالمسلمين عند ذلك الجهد المخلص العظيم، وإنما احتاج المسلمون إلى فهم ما قد يستغلق عليهم فهمه من معاني آياته، فكان لا بد من وجود المفسر. ولما لم يكن كل مسلم صالحًا للتفسير، وإنما هي مؤهلات بعينها ينبغي لمن يتصدى لتفسير الكتاب العزيز أن يتحلى بها، فقد كان على صفوة الصحابة ممن عايشوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوموا بتلك المهمة كل قدر استعداده. ولم يكن الصحابي يشعر بأي حرج إذا لم يفهم الآية، بل إن عمر العظيم كان في بعض الأحيان إذا استغلق عليه استخلاص حكم من آية، يسأل غيره من الصحابة عن تفسير آية بعينها مثل ما فعله مع عبد الله بن عباس[1] فأصبح ذلك تقليدًا في نطاق علم التفسير لا يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا وإلى كل يوم في المستقبل.
فالذي لا شك فيه أن في الكتاب العزيز آيات كثيرة تحتاج إلى تفسير، فهناك الآيات المحكمات، وفيه أيضًا الآيات المتشابهات، وفيه الآيات التي يحتاج تفسيرها إلى أسباب نزولها، وفيه آيات العبادة والتشريع والمعاملات. وفي الآيات من الألفاظ ما يحتاج فيه إلى معرفة اللغة وإتقان فهمها والإلمام بعلومها، كل ذلك حد من عدد المفسرين بحيث كان عدد الصحابة ممن تصدوا لتفسير الكتاب العزيز من قلة العدد بمكان، وأشهر الذين جلسوا للتفسير علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب.
ويمضي جيل الصحابة ويليه جيل التابعين الذين أخذوا عن الصحابة من علوم الدين ما أخذوا وبينها التفسير، ثم يلي ذلك جيل تابعي التابعين، ومع كل جيل تتسع آفاق المعرفة خاصة وأنهم كانوا قد تفرقوا في الأمصار حيث ألوان جديدة من الثقافات، ولكنهم في الوقت نفسه محافظون على ما في صدورهم من علم موروث بالرواية والدراية، وبالجهد المخلص المكتسب، حتى ظهرت التفاسير المكتوبة التي اعتمد المفسرون فيها على مؤهلات المفسر وفي مقدمتها الرواية الموروثة المتسلسلة عن الصحابة والتابعين. وهذا

[1] الموافقات للشاطبي "3/ 201" وما بعدها.
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست