اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 260
لست الملوم، أنا الملوم لأنني ... أملت للإحسان غير الخالق
والواقع أن الناس جميعًا -على ما يذكر ياقوت- كانوا يحذرون لسانه ويتقون هجاءه ويصبرون على مجالسه ومعاشرته، مواكلة ومشاربة على كل صعب من أمره؛ لأنه كان وسخًا في نفسه وفي ثوبه وفي نعله، إلى غير ذلك من الصور التي لا تليق بالعلماء والتي أكثر المترجمون له من ذكرها وفي مقدمتهم ياقوت الحموي صاحب معجم الأدباء والتنوخي صاحب نشوار المحاضرة، وهلال الصابي صاحب أخبار الوزير المهلبي.
على أن فضل الرجل وعلمه كانا يشفعان له عند الأمراء من حكام زمانه، فكما أنه كان أثيرًا لدى الوزير أبي محمد المهلبي، كان حظيًّا أيضًا عند ركن الدولة البويهي الذي جعله واحدًا من كتابه، وكان الكاتب الكبير أبو الفضل بن العميد وزيرًا لركن الدولة كما نعلم، وكان أبو الفرج يتوقع منه أن يحترمه وأن يجله في دخوله وخروجه، فلم يفعل، ولابن العميد عذره في ذلك، فلقد كان يحفظ رسالة عبد الحميد إلى الكتاب المليئة بألوان النصح إليهم، والتي منها أن يكون الكاتب نظيفًا أنيقًا ومهندمًا ومهذبًا. وكان أبو الفرج على العكس من ذلك تمامًا على ما مر بنا، ومن ثم فلم يحفل به ابن العميد ولم يحترمه، فعمد أبو الفرج إلى أقرب سلاح إليه، وهو الهجاء وشهره في وجه ابن العميد قائلًا هذه الأبيات اللطيفة التي هي أقرب إلى التقريع والعتاب منها إلى الهجاء:
مالك موفور فما باله ... أكسبك التيه على المعدم
ولم إذا جئت نهضنا؟ وإن ... جئنا تطوالت ولم تتمم
وإن خرجنا لم تقل مثل ما ... نقول؟ قدم طرفه قدم
إن كنت ذا علم فمن ذا الذي ... مثل الذي تعلم لم يعلم؟
ولست في الغارب من دولة ... ونحن من دونك في المنسم
وقد ولينا وعزلنا كما ... أنت فلم نصغر ولم تعظم
تكافأت أحوالنا كلها ... فصل على الإنصاف أو فاصرم
وأبو الفرج يحكي عن نفسه قصصًا عديدة تدل على أنه لم يكن يتحرز من سلوكه حتى سنة 355هـ وهي السنة السابقة على وفاته. فإذا عرفنا أنه ولد سنة 284هـ كان معنى ذلك أنه لم يكن بعيدًا عن مسارب الانحراف عن الجادة وهو في السبعين من عمره.
وأخبار الأصفهاني كثيرة ومثيرة، وهو شاعر صاحب ملح وطرائف مع علية أهل زمانه كما أنه وصاف ماهر. ولعل أطرف قصائده ما كتب به إلى الوزير المهلبي يشكو الفأر
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 260