responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 164
أما أبو حيان الضنين بأحكامه في تقريظ الرجال فإنه يقول في هذا المجال: والذي أقول وأعتقد وآخذ به وأستهم عليه[1] أني لم أجد في جميع من تقدم وتأخر غير ثلاثة أو اجتمع الثقلان على تقريظهم ومدحهم ونشر فضائلهم في أخلاقهم وعلمهم ومصنفاتهم ورسائلهم مدى الدنيا إلى أن يأذن الله بزوالها لما بلغوا آخر ما يستحقه كل واحد منهم، أحدهم أبو عثمان الجاحظ والثاني أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري فإنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم وهذا كلامه في الأنواء يدل على حظ وافر من علم النجوم وأسرار الفلك. فأما كتابه في النبات فكلامه فيه في عروض كلام آبدي بدوي، وعلى طباع أفصح عربي. وأما العالم الثالث الذي قصد إليه أبو حيان، فهو أبو زيد البلخي. والذي نستشفه أن كتاب النبات ليس كتابًا في علم النبات كما فهم بعض الدارسين الذين ترجموا لأبي حنيفة، وإنما هو كتاب في اللغة عرض فيه للنبات كموضوع من موضوعات اللغة والأدب وليس كعلم تجربة واستقصاء.
لقد كان أبو حنيفة ذا ذاكرة حافظة واعية مطواعة ترفده في التو والساعة. وإن له مع محمد بن يزيد المبرد عالم زمانه في اللغة والأدب نادرة طريفة تدل على قدر الرجل علمًا وحفظًا واستيعابًا، فقد ورد المبرد الدينوري زائرًا لعيسى بن ماها، فأول ما دخل عليه سأله عيسى عن الشاة المجثمة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها، فأجاب المبرد: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة، فقال عيسى: هل من شاهد؟ فقال: نعم، قول الراجز.
لم يبق من آل الحميد نسمة ... إلا عنيز لجبة مجثمه
ولم يكد المبرد ينتهي من إجابته حتى كان الحاجب يستأذن لأبي حنيفة، فلما دخل قال له عيسى: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثت على ركبها وذبحت من خلف قفاها. فقال: كيف تقول وهذا شيخ العراق -يعني المبرد- يقول: هي مثل اللجبة وهي القليلة اللبن وأنشده البيتين، فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه، وإن كان هذان البيتان إلا لساعتهما. فقال المبرد: صدق الشيخ أبو حنيفة، فإني أنفت أن أرد عليك من العراق وذكري ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا أعرفه.
تلك مقارعة بديهة مع شيخ عظيم هو المبرد صاحب التآليف الباهرة في الأدب واللغة والنحو، وصاحب واحد من أعظم كتب الأدب قيمة ووزنًا هو "الكامل" الذي يعتبره ابن خلدون واحدًا من أعظم أربعة كتب تعلم الأدب.

[1] أستهم عليه يعني أراهن عليه.
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى    الجزء : 1  صفحة : 164
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست