اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 147
الحيوان جدل مريح غير مجهد ولا مكد لذهن القارئ، فهنا يقول صاحب الكلب، وهناك يقول صاحب الديك، وفي مكان ثالث صاحب الحمام، ومن الطريف فعلًا أن تجرى مساجلات كلامية بين أصحاب الكلب وعلى رأسهم النظام وأصحاب الديك وعلى رأسهم معبد.
هذا والكتاب يحوي فصولًا عديدة من المعرفة في غير موضع الحيوان، مثل وسائل البيان وكتابة المعاهدات، وضروب الخطوط، وأقوال الشعراء فيها، وفي الكتاب فصول عن البلدان، وعن الأجناس البشرية وأثرها في خلق الإنسان، وعن مسائل في الفقه والدين.
ولم يهمل الجاحظ الجانب الفكه في كتابه لكي يخفف عن نفس القارئ بين الفينة والفينة بملحة يقولها أو طرفة يطلقها.
فإذا دلف الجاحظ إلى صلب موضوعه، قال: ثم النامي على قسمين: حيوان ونبات. والحيوان على أربعة أقسام: شيء يمشي، وشيء يطير، وشيء يسبح، وشيء ينساح، إلا أن كل طائر يمشي، وليس الذي يمشي يسمى طائرًا. والنوع الذي يمشي على أربعة أقسام: ناس وبهائم وسباع وحشرات ... وهكذا يكتب الجاحظ موضوعه ورائده المنطق ودليله المعرفة.
وإذ ذكر حيوانًا ما جاء الجاحظ بأكثر ما يمكن أن يجيء به حول هذا الحيوان من معلومات طريفة، ثم ذكر العديد من قصائد الشعر العربي التي قيلت فيه، أو بصدد تشبيه به أو غير ذلك. فإذا ذكر الخنزير مثلًا ذكر تفضيل الأكاسرة والقياصرة للحمها ثم انعطف أبياتًا لحماد عجرد في هجاء بشار بن برد منها هذا البيت:
ولريح الخنزير أطيب من ريـ ... ـحك يا ابن الطيان ذي التبان
وإذا ما ذكر الكلب جاء بالأمثال التي تقال في الكلاب قدحًا أو مدحًا، مثل قول كعب الأحبار لرجل أراد سفرًا: إن لكل رفقة كلبًا، فلا تكن كلب أصحابك. أو قول العرب: أحب أهلي إلي كلبهم الظاعن، إلى غير ذلك من الأمثال.
وأحيانًا يحمل الجاحظ على الكلب فيتهمه بالرشوة وبأنه الحيوان الوحيد الذي يقبل الرشوة وبإمكان اللص أن يرشوه برغيف، ثم يسرق البيت الذي يحرسه. ويصفه بالحماقة؛ لأنه الحيوان الوحيد الذي ينام في وسط الطريق ليلًا، فتدوسه حوافر السابلة فتؤلمه فيظل يئن ويعوي. ويصفه بعدم الأصالة، فهو يأكل اللحم وليس بوحشي، ويعيش في المنازل كما تعيش المستأنسات، ويجري الجاحظ على لسان صاحب الديك قوله: يقال للسفيه إنما هو
* الطيان الذي يضرب الطوب، والتبان سراويل يلبسها الملاحون والمصارعون.
اسم الکتاب : مناهج التأليف عند العلماء العرب المؤلف : الشكعة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 147