اسم الکتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون المؤلف : حاجي خليفة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 8
السادس:
أن يكون بينهما تباين، كموضوع الحساب والطب، فليس بين العدد وبدن الإنسان اشتراك، ولا مساواة.
(تنبيه) اعلم أن الموضوع في علم، لا يطلب بالبرهان، لأن المطلوب في كل علم هي الأعراض الذاتية الموضوعة، والشيء لا يكون عرضا ذاتيا لنفسه، بل يكون إما بينا، أو مبرهنا عليه في علم آخر فوقه، بحيث يكون موضوع هذا العلم عرضا ذاتيا لموضوعه، إلى أن ينتهي إلى العلم الأعلى، الذي موضوعه موجود، لكن يجب تصور الموضوع في ذلك العلم، والتصديق بأهليته بوجه ما، فكون علم فوق علم أو تحته، مرجعه إلى ما ذكرنا، فافهم.
الفصل الثالث: في العلم المدون، وموضوعه، ومباديه، ومسائله، وغايته
واعلم: أن لفظ العلم كما يطلق على ما ذكر، يطلق على ما يرادفه، وهو أسماء العلوم المدونة: كالنحو، والفقه، فيطلق كأسماء العلوم، تارة: على المسائل المخصوصة، كما يقال: فلان يعلم النحو، وتارة: على التصديقات بتلك المسائل عن دليلها، وتارة: على الملكة الحاصلة من تكرار تلك التصديقات، أي: ملكة استحضارها، وقد يطلق الملكة: على التهيؤ التام، وهو أن يكون عنده ما يكفيه لاستعلام ما يراد.
والتحقيق: أن المعنى الحقيقي للفظ العلم، هو الإدراك؛ ولهذا المعنى متعلق هو: المعلوم، وله تابع في الحصول، يكون وسيلة إليه في البقاء هو: الملكة؛ فأطلق لفظ العلم على كل منها، إما: حقيقة عرفية، واصطلاحية، أو: مجازا مشهورا.
وقد يطلق على: مجموع المسائل، والمبادي التصورية، والمبادي التصديقية، والموضوعات.
ومن ذلك يقولون: أجزاء العلوم ثلاثة.
وقد يطلق أسماء العلوم: على مفهوم كلي إجمالي يفصل في تعريفه، فإن فصل نفسه، كان حدا اسميا، وإن بين لازمه، كان رسما اسميا.
وأما: حده الحقيقي، فإنما هو بتصور مسائله، أو بتصور التصديقات بها.
وأما المبادي وآنية الموضوعات، فإنما عدت جزءا منها، لشدة احتياجها إليها، وفي تحقيق ما ذكرنا بيانات ثلاثة:
البيان الأول: في بحث الموضوع
واعلم: أن السعادة الإنسانية، لما كانت منوطة بمعرفة حقائق الأشياء، وأحوالها بقدر الطاقة البشرية، وكانت الحقائق وأحوالها متكثرة متنوعة، تصدى الأوائل لضبطها، وتسهيل تعليمها، فأفردوا الأحوال الذاتية المتعلقة بشيء واحد، أو بأشياء متناسبة، ودوَّنوها على حدة، وعدُّوها علما واحدا، وسموا ذلك الشيء أو الأشياء موضوعا لذلك العلم، لأن موضوعات مسائله راجعة إليه.
فموضوع العلم: ما ينحل إليه موضوعات مسائله، وهو المراد بقولهم في تعريفه: بما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية، فصار كل طائفة من الأحوال بسبب تشاركها في الموضوع: علما منفردا ممتازا بنفسه، عن طائفة متشاركة في موضوع آخر، فتمايزت العلوم في أنفسها بموضوعاتها، وهو تمايز اعتبروه، مع جواز الامتياز بشيء آخر: كالغاية، والمحمول.
وسلكت الأواخر أيضا هذه الطريقة الثانية في علومهم، وذلك أمر استحسنوه في التعليم والتعلم، وإلا فلا مانع عقلا من أن يعد كل مسألة علما برأسه، ويفرد بالتعليم والتدوين، ولا من أن يعد مسائل متكثرة غير متشاركة في الموضوع علما واحدا، يفرد بالتدوين، وإن تشاركت من وجه آخر، ككونها متشاركة في أنها أحكام بأمور على أخرى، فعلم أن حقيقة كل علم مدون: المسائل المتشاركة في موضوع واحد، وأن لكل علم موضوعا وغاية، كل منهما جهة وحدة، تضبط تلك المسائل المتكثرة، وتعد باعتبارها علما واحدا، إلا أن الأولى جهة وحدة، ذاتية الموضوع.
فيقال في تعريف المنطق مثلا: علم يبحث فيه عن أحوال المعلومات، وتارة باعتبار الغاية، فيقال في تعريفه: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.
ثم إن الأحوال المتعلقة بشيء واحد، أو بأشياء متناسبة، تناسبا معتدا به، إما في أمر ذاتي: كالخط، والسطح، والجسم التعليمي، المتشاركة في مطلق المقدار، الذي هو ذاتي لها لعلم الهندسة، أو في أمر عرضي: كالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، المتشاركة في كونها موصلة إلى الأحكام الشرعية لعلم أصول الفقه، فتكون تلك الأحوال من الأعراض الذاتية، التي تلحق الماهية من حيث هي، لا بواسطة أمر أجنبي.
وأما التي جميع مباحث العلم راجعة إليها، فهي: إما راجعة إلى نفس الأمر، الذي هو الواسطة كما يقال في الحساب: العدد إما زوج أو فرد؛ أو إلى: جزئي تحته، كقولنا: الثلاثة فرد، وكقولنا في الطبيعي: الصورة تفسد وتخلف بدلا عنه؛ أو إلى: عرض ذاتي له، كقولنا: المفرد إما أول، أو مركب؛ وإما العرض الغريب، وهو ما يلحق الماهية، بواسطة أمر عجيب، إما: خارج عنها، أعم منها أو أخص.
فالعلوم لا تبحث عنه، فلا ينظر المهندس في أن الخط المستدير أحسن، أو المستقيم؛ ولا في أن الدائرة نظير الخط المستقيم أو ضده؛ لأن الحسن والتضاد غريب عن موضوع علمه، وهو: المقدار؛ فإنهما يلحقان المقدار، لا لأنه مقدار، بل لوصف أعم منه، كوجوده أو، كعدم وجوده.
وكذا الطبيب، لا ينظر في أن الجرح مستدير، أم غير مستدير، لأن الاستدارة لا تلحق الجسم، من حيث هو جريح، بل لأمر أعم منه، كما مر.
وإذا قال الطبيب: هذه الجراحة مستديرة، والدوائر أوسع الأشكال، فيكون بطيء البرء، لم يكن ما ذكره من علمه.
ثم اعلم: أن موضوع علم، يجوز أن يكون موضوع علم آخر، وأن يكون أخص منه، أو أعم، وأن يكون مباينا عنه، لكن يندرجان تحت أمر ثالث، وأن يكون مباينا له غير له مندرجين تحت ثالث، لكن يشتركان بوجه دون وجه، ويجوز أن يكونا متباينين مطلقا، فهذه: ستة أقسام.
الأول:
أن يكون موضوع علم عين موضوع آخر، فيشترط أن يكون كل منهما مقيدا بقيد، غير قيد الآخر، وذلك كأجرام العالم، فإنها من حيث الشكل: موضوع الهيئة، ومن حيث الطبيعة: موضوع لعلم السماء، والعالم الطبيعي، فافترقا بالحيثيتين.
ثم إن اتفق أبحاث بعض المسائل فيها بالموضوع والمحمول، فلا بأس به، إذ يختلف بالبراهين، كقولهم بأن الأرض مستديرة، وهي وسط السماء في الصور والمعاني، لكن البرهان عليهما من حيث الهيئة، غير البرهان من جهة الطبيعي.
الثاني، والثالث:
أن يكون موضوع علم، أخص من علم آخر، أو أعم منه، فالعموم والخصوص بينهما، إما على وجه التحقيق، بأن يكون العموم والخصوص بأمر ذاتي له، مثل كون العام جنسا للخاص، أو أمر عرضي.
فالأول: كالمقدار والجسم التعليمي، فإن الجسم التعليمي أخص، والمقدار جنس له، وهو موضوع: الهندسة، والجسم التعليمي: موضوع المجسمات، وكموضوع الطب، وهو بدن الإنسان، فإنه نوع من موضوع العلم الطبيعي، وهو الجسم المطلق.
والثاني: كالموجود والمقدار، فإن الموجود: موضوع العلم الإلهي، والمقدار: موضوع الهندسة، وهو أخص من الموجود، لا لأنه جنسه، بل لكونه عرضا عاما له.
الرابع:
أن يكون الموضوعان متباينين، لكن يندرجان تحت أمر ثالث، كموضوع الهندسة والحساب، فإنهما داخلان تحت الكم، فيسميان متساويين.
الخامس:
أن يكونا مشتركين بوجه دون وجه، مثل موضوعي: الطب والأخلاق، فإن لموضوعيهما اشتراكا في القوى الإنسانية.
اسم الکتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون المؤلف : حاجي خليفة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 8