اسم الکتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون المؤلف : حاجي خليفة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 46
فتح:
ومن الشروط: تقليل العوائق، حتى الأهل والأولاد، والوطن، فإنها صارفة وشاغلة، (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) ، ومهما توزعت الفكرة، قصرت عن درك الحقائق.
وقد قيل: العلم لا يعطيك بعضه، حتى تعطيه كلك، فإذا أعطيته كلك، فأنت على خطر من الوصول إلى بعضه.
فتح:
ومن الشروط: العزم والثبات على التعلم إلى آخر العمر، كما قيل: الطلب من المهد إلى اللحد.
وقال - سبحانه وتعالى - لحبيبه: (وقل رب زدني علما) .
وقال: (فوق كل ذي علم عليم) .
والحيلة في صرف الأوقات إلى التحصيل: أنه إذا مل من علم، اشتغل بآخر.
كما قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما: إذا مل من الكلام مع المتعلمين، هاتوا دواوين الشعراء.
المنظر السادس: في أن الحفظ، غير الملكة العلمية
اعلم أن من كان عنايته بالحفظ، أكثر من عنايته إلى تحصيل الملكة، لا يحصل على طائل من ملكة التصرف في العلم، ولذلك ترى من حصل الحفظ، لا يحسن شيئا من الفن، وتجد ملكته قاصرة في علمه، إن فاوض، أو ناظر، ومن ظن أنه المقصود من الملكة العلمية، فقد أخطأ، وإنما المقصود هو: ملكة الاستخراج، والاستنباط، وسرعة الانتقال من الدوال إلى المدلولات، ومن اللازم إلى الملزوم، وبالعكس.
فإن انضم إليها ملكة الاستحضار، فنعم المطلوب، وهذا لا يتم بمجرد الحفظ، بل الحفظ من أسباب الاستحضار، وهو راجع إلى جودة القوة الحافظة، وضعفها، وذلك من أحوال الأمزجة الخلقية، وإن كان مما يقبل العلاج.
المنظر السابع: في شرائط تحصيل العلم، وأسبابه، وفيه: فتوحات أيضا
فتح:
واعلم: أن شرائط التحصيل كثيرة، لكنها مجتمعة فيما نقل عن سقراط، وهو قوله: ينبغي للطالب أن يكون شابا، فارغ القلب، غير ملتفت إلى الدنيا، صحيح المزاج، محبا للعلم، بحيث لا يختار على العلم شيئا من الأشياء، صدوقا، منصفا بالطبع، متدينا، أمينا، عالما بالوظائف الشرعية، والأعمال الدينية، غير مخل بواجب فيها، ويحرم على نفسه ما يحرم في ملة نبيه، ويوافق الجمهور في الرسوم والعادات، ولا يكون فظا سيئ الخلق، ويرحم من دونه في المرتبة، ولا يكون أكولا، ولا متهتكا، ولا خاشعا من الموت، ولا جامعا للمال، إلا بقدر الحاجة، فإن الاشتغال بطلب أسباب المعيشة مانع عن التعلم. انتهى.
فتح:
ومنها: الإخلاص في مقاساة هذا المسلك، وقطع الطمع عن قبول أحد، فيجب أن ينوي في تعلمه أن يعمل بعلمه لله - تعالى -، وأن يعلم الجاهل، ويوقظ الغافل، ويرشد الغوي.
فإنه قال - عليه الصلاة والسلام -: (من تعلم العلم لأربع دخل النار، ليباهي به العلماء، وليماري به السفهاء، ويقبل به وجوه الناس إليه، وليأخذ الأموال) .
فتح:
ومنها: ترك الكسل، وإيثار السهر في الليالي، ومن جملة أسباب الكسل فيه: ذكر الموت، والخوف منه، لكنه ينبغي أن يكون من جملة أسباب التحصيل، إذ لا عمل يحصل به الاستعداد للموت، أفضل من العلم، والعمل به؛ والخوف منه: لا ينبغي أن يتسلط على الطالب، بحيث يشغله عن الاستعداد.
وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (أكثروا ذكر هادم اللذات) يدل على أنه: ينبغي أن يكون ذكره سببا للانقطاع عن اللذات الفانية، دون الباقية.
فتح:
ومن الشروط: تزكية الطالب عن الأخلاق الردية، وهي متقدمة على غيرها، كتقدم الطهارة، فكما أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، كذلك لا تدخل القلب، إذا وجد فيه كلاب باطنية، وكانت الأوائل يختبرون المتعلم أولا، فإن وجدوا فيه خلقا رديا منعوه، لئلا يصير آلة الفساد، وإن وجدوه مهذبا علموه، ولا يطلقونه قبل الاستكمال، خوفا على فساد دينه، ودين غيره.
فتح:
ومنها: اختيار معلم ناصح، نقي الحسب، كبير السن، لا يلابس الدنيا، بحيث تشغله عن دينه، ويسافر في طلب الأستاذ إلى أقصى البلاد.
ويقال: أول ما يذكر من المرء أستاذه، فإن كان جليلا جل قدره، وإذا (1/ 48) وجد: يلقي إليه زمام أمره، ويذعن لنصحه إذعان المريض للطبيب، ولا يستبد لنفسه اتكالا على ذهنه، ولا يتكبر عليه وعلى العلم، ولا يستنكف.
لأنه قد ورد في الحديث: (من لم يتحمل ذل التعلم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا) .
ومن الآداب: احترام المعلم، وإجلاله، فمن تأذى منه أستاذه، يحرم بركة العلم، ولا ينتفع به إلا قليلا، وينبغي أن يقدم حق معلمه على حق أبويه، وسائر المسلمين، ومن توقيره: توقير أولاده، ومتعلقاته، ومن تعظيم العلم تعظيم الكتب، والشركاء.
اسم الکتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون المؤلف : حاجي خليفة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 46