اسم الکتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون المؤلف : حاجي خليفة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 44
فتح:
وأما ضيق الحال، وعدم المعونة على الاشتغال، فمن أعظم الموانع، وأشدها، لأن صاحبه مهموم، مشغول القلب أبدا.
فتح:
وأما كثرة الاختصارات في العلوم، فإنها مخلة بالتعليم، وقد ذهب كثير من المتأخرين، إلى اختصار الطرق في العلوم، ويدونون منها: مختصرا في كل علم، يشتمل على: حصر مسائله، وأدلتها، باختصار في الألفاظ، وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن، فصار ذلك مخلا بالبلاغة، وعسيرا على الفهم، وربما عمدوا إلى الكتب المطولة، فاختصروها، تقريبا للحفظ، كما فعله: ابن الحاجب في: (أصوله) ، وابن مالك في العربية، وفيه إخلال بالتحصيل، لأن فيه تخليطا على المبتدئ، بإلقاء الغايات من العلم عليه، وليس له استعداد لقبولها، ثم فيه شغل كثير بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم، لتزاحم المعاني عليها.
ثم إن الملكة الحاصلة من المختصرات، إذا تمت على سداده، فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات (1/ 46) البسيطة، لكثرة ما فيها من التكرار، والإطالة، المفيدين لحصول الملكة التامة.
ولما قصدوا إلى تسهيل الحفظ أركبوهم صعبا، بقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة.
فتح:
وأما إقبال الدنيا، وتقلد الأعمال، فلا شك أنه يمنع صاحبه عن التعليم والتعلم.
فتح:
وأما طلب المال، أو الجاه، أو الركون إلى اللذات البهيمية، فالعلم أعز أن ينال مع غيره، أو على سبيل التبعية، ولذلك ترى كثيرا من الناس، لا ينالون من العلم قدرا صالحا يعتد به، لاشتغالهم عنه بطلب المنصب، والمدرسة، وهم يطلبونه دائما ليلا ونهارا، سرا وجهارا، ولا يفترون، وكان ذكرهم وفكرهم تحصيل المال، والجاه، مع انهماكهم في اللذات الفانية، وعدم ركونهم إلى السعادة الباقية، ومناصبهم في الحقيقة مناصب أجنبية، لأنها شاغلة عن الشغل والتحصيل، على القانون المعتبر في طريقه.
فتح:
وأما الانتقال من علم إلى علم، قبل أن يستحكم الأول، فهو سبب الحرمان عن الكل، فلا يجوز، وكذا الانتقال من كتاب إلى كتاب كذلك.
فتح:
وأما الوثوق بالذكاء، فهو من الحماقة، وكثير من الأذكياء فاته العلم بهذا السبب.
المنظر الخامس: في موانع العلوم، وعوائقها، وفيه: فتوحات
فتح:
أما الوثوق بالمستقبل، فلا ينبغي للعاقل، لأن كل يوم آت بمشاغله، فلا يؤخر شغل يومه إلى غد.
فتح:
واعلم: أنه على كل خير مانع، وعلى العلم موانع، منها: الوثوق بالمستقبل، والوثوق بالذكاء، والانتقال من علم إلى علم، قبل أن يحصل منه قدر يعتد به، أو من كتاب إلى كتاب، قبل ختمه.
ومنها: طلب المال، أو الجاه، أو الركون إلى اللذات البهيمية.
ومنها: ضيق الحال، وعدم المعونة، على الاشتغال.
ومنها: إقبال الدنيا، وتقليد الأعمال.
ومنها: كثرة التآليف في العلوم، وكثرة الاختصارات، فإنها مخلة عائقة.
فتح:
وأما كثرة المصنفات في العلوم، واختلاف الاصطلاحات في التعليم، فهي عائقة عن التحصيل، لأنه لا يفي عمر الطالب، بما كتب في صناعة واحدة، إذا تجرد لها، لأن ما صنفوه في الفقه مثلا، من: المتون، والشروح، لو التزمه طالب، لا يتيسر له، مع أنه يحتاج إلى تمييز طرق المتقدمين والمتأخرين، وهي كلها متكررة، والمعنى واحد، والمتعلم مطالب، والعمر ينقضي في واحد منها، ولو اقتصروا على المسائل المذهبية فقط، لكان الأمر دون ذلك، ولكنه داء لا يرتفع.
ومثله: علم العربية أيضا، في مثل (كتاب سيبويه) ، وما كتب عليه، وطرق البصريين، والكوفيين، والأندلسيين، وطرق المتأخرين، مثل: ابن الحاجب، وابن مالك، وجميع ما كتب في ذلك كيف يطالب به المتعلم، وينقضي عمره دونه، ولا يطمع أحد في الغاية منه، فالظاهر أن المتعلم، لو قطع عمره في هذا كله، فلا يفي له بتحصيل علم العربية، الذي هو آلة من الآلات، ووسيلة، فكيف يكون في المقصود الذي هو الثمرة؟ ولكن الله يهدي من يشاء.
اسم الکتاب : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون المؤلف : حاجي خليفة، مصطفى الجزء : 1 صفحة : 44