ولأجل ذلك كانت أولى المصنفات في سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلّم عبارة عن جمع شتات المدونات الأولية والروايات التي تناقلتها الألسن والشفاه عن أحوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في مصنف مستقل من دون نقد للروايات التي تضمنها من حيث قوتها وضعفها.
استمر هذا المنحى عند من أتى بعد هؤلاء الاخباريين، ولكنهم اختلفوا عنهم بكونهم قد فحصوا النصوص التي أوردوها، وبينوا ضعف بعض منها وعدم دقة بعضها الاخر [17] ، ولا نتهاج هؤلاء المصنفين الذين تلوا الاخباريين هذا المنهج في عرض الحوادث التاريخية والسيرة منها بخاصة، عدّ هؤلاء مؤرخين واخباريين في آن واحد [18] .
نستنتج من ذلك أن كل مؤرخ هو إخباري ولكن ليس كل إخباري مؤرخا، مما جعل المصنفات التي سنتناولها في هذا الفصل تمتاز بالتنوع بين هذين المنحيين في الكتابة التأريخية، التي ستظهر حدوث تطورين في كتابة السيرة:
التطور الأول تمثل بظهور أول مصنف يعرضها بالتفصيل وباستقلالية عن باقي المصنفات التي كتبت في ذلك العصر، والتطور الثاني تمثل بتعدد المناهج والأساليب التي كتب بها هؤلاء المصنفون سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والإضافات النوعية في كل مصنف من هذه المصنفات مقارنة بمثيلاته أو بالمصنفات الأخرى التي دخلت السيرة النبوية في هيكلها. [17] ينظر، مصطفى، التأريخ العربي والمؤرخون، 1/ 92- 101. [18] الدوري، بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب، ص 27، دراسة في سيرة النبي، ص 9.