شمل هذا التخصص كتابة السيرة النبوية، إذ انفصلت في هذا العصر عرى الارتباط بين أنماط وأساليب المحدثين وأهل الأخبار في كتابة حوادث السيرة، وولّد هذا الفصل تباينا بين العلماء الذين تمنوا كتابتها، فقد كان مصنفوها الأوائل مؤرخين أولا ثم محدثين بالدرجة الثانية [12] .
ظهر هذا التخصص المبكر في كتابة السيرة النبوية من قبل بعض العلماء، وذلك لأن المسلمين قد تطلعوا إلى إعادة امتلاك التجربة التأريخية الفريدة (تجربة النبوة والمجتمع المثالي الأول) ، ولأجل إعطاء هذه الصورة التأريخية الشاملة صفة تدعيم فكرة الأمة والمجتمع الناشئ، بعد أن أتصل العرب والمسلمون بالأمم الأخرى، ظهر هذا الحافز بعد أن برزت مشاكل جديدة نتيجة اختلاط العرب والمسلمين بالأمم الأخرى، تيقن هؤلاء ان هذه المشاكل لا يرجى حلها إلا باستعادة تجربة الوحي ومغازي الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وسيرته بكتابتها ضمن منظور تأريخي واسع يجعلها خاتمة تجارب الأمم التي عاشت مع الأنبياء ورسالاتهم، أو كانت لها صلة من أي نوع بفكرة التوحيد، باستلهام هذا المنظور التأريخي من القرآن ومعارف العرب التقليدية وما عرفوه من معايشتهم لأصحاب الكتاب وأهل البلاد المفتوحة [13] .
5. توقف نشاط حركة الفتوحات الإسلامية، والاستقرار الاجتماعي والتمازج الحضاري مع الشعوب، النشاط الذي اختمرت تفاعلاته في هذا [12] ينظر، الدوري، بحث في نشأة علم التأريخ عند العرب، ص 27، دراسة في سيرة النبي (ص) ومؤلفها ابن إسحاق، مطبعة العاني، بغداد، 1966، ص 9. [13] ينظر، المصدر نفسه، ص 27.