بخاصة، إذ يروي لنا ابن سعد رواية عن شيخه الواقدي يبين فيها مكانته من بين معاصريه من معرفة هذه الأمور، وهذه الرواية مفادها: " حج أمير المؤمنين هارون الرشيد فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد [البرمكي] ارتاد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومن أي وجه كان يأتيه وقبور الشهداء، فسأل يحيى بن خالد فكل [من سأله] دله عليه، فبعث إلي فأتيته وذلك بعد العصر فقال لي يا شيخ أن أمير المؤمنين أعزه الله يريد أن تصلي عشاء الاخرة في المسجد وتمضي معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل عليه السلام ... فأتيت به إلى دور المسجد فقلت له هذا الموضع الذي كان جبريل يأتيه [فيه] ... فلم أدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مررت بهما عليه ... فلم نزل كذلك حتى وافينا المسجد وقد طلع الفجر" [8] .
أعطت هذه السمة التي اتصف بها الواقدي في عرض الحوادث بمشاهدته لأماكن وقوعها حالة من الواقعية والصدق والابتعاد عن المبالغات والضبابية في وصف الحوادث، وذلك بتسليط الضوء على الدور الذي لعبه الموقع الجغرافي واتخاذ الخطط الحربية المناسبة له، ولم يقتصر على هذا الأمر حسب بل أخذ يعرض أيضا المسارات التي تسلكها بعض الغزوات في خروجها من المدينة إلى أماكن حدوث وقائعها مع ذكر مناطق التوقف والمواقع التي يمرون بها [9] .
نالت هذه الميزة التي اتصف بها الواقدي إعجاب محقق كتابه، إذ وصف هذه الميزة بالقول: " إنها بحق المرحلة الأولى في الأدب الجغرافي العربي إن لم تكن [8] الطبقات الكبرى، 5/ 315. [9] ينظر، المغازي، 1/ 215- 219، 2/ 638، 3/ 924- 926، 939.