ثانيا: المحاججة والمناظرة للاراء وعقائد المذاهب المخالفة له في العقيدة وذلك بإيراده لبعض وجهات النظر الخاصة به في ما يتعلق بمقام النبوة والواجبات اتجاهها، وتفسير النصوص الواردة إليه وتقعيد الأحكام عليها، مثال ذلك قضية تأويل النص الشعري بغير معناه الظاهر [67] ، فضلا عن كثير من القضايا التي صرح القاضي عياض بفساد آراء أصحابها فيها [68] .
اقتضى هذا الأمر من القاضي عياض أن يكون له إلمام واسع بدقائق الألفاظ وأوجه اختلاف التعابير والاستيعاب الكامل لجميع الاراء والروايات التي اختصت بهذه الأفكار والعقائد التي طرحها للبحث والناظرة في كتابه هذا، وقد أشار القاضي عياض إلى هذا الأمر في ترجمته لنفسه عندما ذكر تضلعه الواسع بعلوم الفلسفة والمنطق والحديث والعربية بدراسته لها على أيدي أساتذة كان لهم الباع الطويل في هذه العلوم [69] .
لأجل ذلك كان هذا الكتاب أحد الصور الناطقة للعصر الذي كتب فيه ومرآة عاكسة لوجهات النظر المختلفة للمذاهب التي ظهرت في المغرب العربي، حتى وصف أحد الباحثين هذا الكتاب بالقول: " نرى الكتاب بمثابة إسهام في تعميق اتجاه ودحض ما عداه" [70] .
طبق القاضي عياض هاتين النقطتين بجدية ووضعهما نصب عينيه في كتابه من أوله إلى آخره، ولأجل ذلك كانت هنالك جوانب أسهم بها القاضي عياض في تطور كتابة السيرة النبوية بعامة، ولم يكن مقتصرا على جانب الشمائل [67] ينظر، المصدر نفسه، 2/ 604. [68] ينظر، المصدر نفسه، 1/ 191، 357، 382، 438، 2/ 602، 603. [69] ينظر، القاضي عياض، الغنية، تحقيق: محمد عبد الكريم، الدار العربية للكتاب، بيروت، 1978، ص 13- 254. [70] الكتاني، مقدمة معاصرة لكتاب الشفا، مجلة المناهل، ص 368.