اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 528
لقد طغت الصنعة على أدب العصر، وكأن الشعراء وجدوا في البديع وفنونه تجديدا ذا شأن، فلبّوا رغبة الناس الذين أولعوا بالزخرفة في مظاهر حياتهم جميعها، ولو تابعوا مظاهر التجديد التي وجدت قبلهم، لكان لشعرهم موقع آخر.
ومحاولة خروج شعراء العصر المملوكي على هذا النهج كانت في الغالب تنصرف إلى الشعر الشعبي الملحون. فالشعر العربي حافظ في تاريخه الطويل على معظم مقوماته، وما أصابه من تغير أو تجديد، كان انعكاسا لتغير طبيعة حياة الشاعر وتطور عقليته، واختلاف ظروفه، فالأدب عامة هو ثمرة تفاعل الأديب مع بيئته والظروف المؤثرة فيها، ولذا كانت موضوعات الشعر وشكله الفني في كل عصر صدى لمظاهر البيئة.
ونحن لا نريد أن نكلّف شعراء عصر المماليك بتجديد لا طاقة لهم به، ولا نريد أن نحاكمهم من منطلق اتجاهات عصرنا ومفاهيمه ونظرته إلى الشعر، لكننا نقرر واقعا، ونبيّن حالا، فمهما يكن شأن هذا الشعر، لا بد من دراسته وتأريخه وتقويمه.
بدأ المدح النبوي منذ بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالناس من حوله أعجبوا بشخصيته وكمالها، فتوجهوا إليه بالمدح كما يمدحون ساداتهم وأشرافهم، إلا أن الشعراء من الصحابة أخذوا يميّزون مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن مدح غيره، لأنه متميز عن غيره، فالمدح النبوي يختلف عن المدح العام في الشعر العربي بأنه موجه إلى النبي الكريم، وبأن معانيه تختلف عن معاني المدح العام في بعضها، وفي درجتها ومفهومها في بعضها الآخر، فالمعاني التقليدية التي مدح بها النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم تتباين عن المعاني التقليدية التي مدح بها غيره في منطلقها وعمقها.
واختلف المدح النبوي أيضا عن الرثاء في الشعر العربي، لأن الشعراء الذين مدحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. لم يكن قصدهم رثاؤه، ولم يظهروا التفجع والحزن، ولأن شعرهم نظم بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بزمن طويل، وإن وجدنا قصائد رثاء لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم إثر وفاته،
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 528