اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 486
المعروفة، لتكون له يد في هذا الفن الجليل، فاتكأ على شعر غيره، وجعله أساسا بنى عليه شعره الخاص، فزاد عليه إيقاعا ومعنى، وجعله ملائما للإنشاد أو الغناء.
وقد مرّت معنا أمثلة وافية على التخميس والتسديس والتسبيع والتشطير وما يشابه ذلك، وكلها تدل على مشاركة الناس الواسعة في نظم المدح النبوي، فكل واحد يشارك حسب مقدرته وموهبته وثقافته، ووصل الأمر إلى النظم الملحون الذي انتشر في ذلك العصر.
فكل من وجد في نفسه مقدرة، مهما هان شأنها، على الخوض في بحر المدح النبوي، لم يتوان عن ذلك، وحرص على ألّا تفوته المشاركة في فن عصره الشعري.
ونتيجة لذلك كان شعر المدح النبوي غزيرا، وكان ناظموه كثيرين، فرسخ فنا شعريا مستقلا، له أصوله، وله خصائصه، وله شعراؤه، وله استمراره إلى أيامنا هذه.
ولا شك أن هذه الرغبة الكبيرة عند الناس في المشاركة في المدح النبوي، قد دفعتهم إلى الدرس وتحصيل الثقافة اللازمة للحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والاستعداد لنظم الشعر بعد معرفة ما يقيمه، فكان المدح النبوي أحد دوافع التعلم والتثقف، وأحد العوامل التي حثّت القرائح وأعملت العقول، ومنعت الشعراء من الاستغراق كلية في الصنعة الجامدة، والألاعيب اللفظية.
فهم لا يجرؤون على التعامل مع المدح النبوي تعاملهم مع شعر الألغاز وسواها من الموضوعات التي أزجوا فيها وقت فراغهم، فقداسة الموضوع حتّمت عليهم الارتقاء بشعرهم، والحرص على جزالته، لأنه لا شيء يستحق عناء الدرس وبذل الجهد العقلي أكثر من الشعر الديني، وبذلك حافظ شعر المدح النبوي على شيء من الأصالة والجزالة، لم تتوفر للموضوعات الآخرى.
وهكذا يظهر لنا أثر المدح النبوي في الشعر العربي آنذاك، إذ بعث فيه الحركة
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 486