اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 435
ولذلك انتشرت هذه القصيدة انتشارا عظيما، وزاد اعتقاد الناس بمنافعها، فعندما علم الوزير بهاء الدين ابن حنا، وهو معاصر للبوصيري، بقصة البردة، «أخذها، وحلف ألّا يسمعها إلا قائما حافيا، مكشوف الرأس ... ثم بعد ذلك أدرك سعد الدين الفارقي [1] الموقّع رمد، أشرف منه على العمى، فرأى في المنام قائلا يقول له: اذهب إلى الصاحب، وخذ البردة، واجعلها على عينيك، فتتعافى بإذن الله عز وجل، فأتى إلى الصاحب، وذكر منامه ... فأخذها سعد الدين، ووضعها على عينيه، فعوفي» [2] .
ومع تقدم الزمن أخذ الاعتقاد بالبردة يشتد ويقوى، واحتفل بها المتصوفة أيما احتفال، «ولم يكتف بعض المسلمين بما اخترعوا من قصص حول البردة، بل وضعوا لقراءتها شروطا لم يوضع مثلها لقراءة القرآن، منها التوضؤ، واستقبال القبلة، والدقة في تصحيح ألفاظها وإعرابها، وأن يكون القارئ عالما بمعانيها» [3] .
«ووضعوا لها من المناقب والفضائل، ما لا يقع تحت حصر، فهي تشفي من عدة أمراض، وتفرّج الشدائد، وتسهّل كل أمر عسير» [4] .
لذلك شاعت وقرئت في جميع المناسبات، واتّخذت منها تمائم وتعاويذ، وعورضت كثيرا، ونسجت قصص أخرى مشابهة لقصة نظمها، فتعزز الاعتقاد بالمدح النبوي وأثره.
ومن القصص المشابهة لقصة نظم البردة، قصة نظم الحلي لبديعيته، إذ أراد- كما روى- أن يؤلّف «كتابا يحيط بجلّ أنواع البديع، فعرته علّة طالت مدّتها، واشتدت [1] سعد الدين الفارقي: سعد الله بن مروان الكاتب البارع، كان بديع الكتابة معنى وخطا، توفي بدمشق سنة (691 هـ) ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 5/ 418. [2] ابن شاكر: فوات الوفيات 3/ 369. [3] ديوان البوصيري ص 29. [4] المصدر نفسه ص 30.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 435