اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 399
وليت الحلي لم يمثل لرأيه في الألفاظ، فقد كان مبدعا في إظهار وجهة نظره، لكنه صدمنا بأمثاله، فكيف تكون القلوب حديدا والألفاظ مغناطيسا؟
إنها الرغبة في الطرافة والإدهاش بأي ثمن. لقد كشف الحلي عن حال أهل عصره مع ألفاظ الشعر، فهم يستقونها من هنا وهناك، ومن مواضع ليس لها علاقة بالشعر من قريب أو بعيد، وهذا ما نلاحظه بكثرة في المديح النبوي، فكثير من الألفاظ التي تستخدم في قصائد المديح النبوي مستعارة من علوم ليس لها علاقة بالشعر، وإنما استخدمها الشعراء لإظهار معرفتهم ومقدرتهم، وللتفرد والإبداع كما يظنون، وقد مرّت أمثلة كثيرة على هذه الألفاظ التي استعاروها من الحرب وعلوم الدين والهندسة وعلوم اللغة، وكأن اللغة العربية وغناها الكبير بالألفاظ التي تعبر عن أدق المشاعر والأفكار قد أضحت عاجزة عن تلبية احتياجات هؤلاء الشعراء التعبيرية، فالتفتوا إلى العلوم المختلفة، يأخذون منها ما يحتاجون إليه، ويعوّضون بها ما لم تسعفهم به ثقافتهم اللغوية. ويبدو أن الأمر كان كالعدوى، فإذا ما استخدم شاعر بعض مصطلحات العلوم في التعبير عن أفكاره ومشاعره، وبدت طريفة مقبولة، يلهج بها الناس، أسرع الشعراء إلى مجاراته بمناسبة ودون مناسبة، ليحوزوا ما حاز، ويتميزوا كما تميز، وكان هذا اللون من التعبير يعد من فنون البديع آنذاك، وأطلق عليه البديعيون اسم (التوجيه) ، الذي عرّفه ابن حجة بقوله: «هو أن يوجه المتكلم بعض كلامه أو جملته إلى أسماء متلائمة اصطلاحا من أسماء الأعلام أو قواعد العلوم أو غير ذلك مما يتشعب له من فنون، توجيها مطابقا لمعنى اللفظ الثاني من غير اشتراك حقيقي بخلاف التوراة» [1] .
وظهرت المتابعة في هذا الضرب من التعبير حين نظم ابن جابر قصيدة ضمنها أسماء سور القرآن الكريم، واستخدمها لتكوين معاني في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعدت هذه القصيدة من محاسنه وغرر قصائده، فهو يحاول التجديد في الشكل والصياغة، والتفنن فيها، ويحاول أن يغرب ويدهش، وفيها يقول: [1] ابن حجة: خزانة الأدب ص 624.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 399